د. محمد عبدالله العوين
هل سينقرض فكر «داعش» بهزيمتها؟ وهل يعني اندحار التنظيم الإرهابي وتمزقه ومقتل آلاف من أتباعه وعودة بعضهم إلى مواطنهم الأصلية في أوروبا وغيرها فشلا ذريعا لمخطط «الفوضى الخلاقة» الذي بشرت به إدارة أوباما ورعته خلال ثماني سنوات، ومهد له من قبله «بوش» الابن؟!
كل هذه التساؤلات المصيرية تدور الآن على ألسنة المتابعين لتطور الأحداث؛ إلا أنها تظل أسئلة مشرعة لأية إجابة بالنفي أو القبول، وقد صغت عنوان مقالي بما يفهم منه الموافقة على هذا الافتراض الذي يقول إن هزيمة التنظيم وتمزقه وضربه في مقتل ومطاردته في كل موضع لجأ إليه بعد أن أدى دوره الذي خططت له الإدارتان السابقتان أو بعد اقتناع الرئيس ترامب بأن خطة إعادة رسم خرائط المنطقة عن طريق الفوضى فشلت فشلا مطلقا، وأن آثارها الدامية وصلت إلى كل أنحاء العالم.
وسأذهب في هذا المقال مؤيدا هذه الفكرة ممتلئا بها وداعيا إلى التأمل الدقيق الواعي لما يحدث الآن على الأرض بقيادة أمريكا لمعالجة ما أحدثته الفوضى من تدمير وخراب، وسعيها إلى إعادة الاستقرار وتثبيت الخرائط القائمة بتنسيق مع المملكة واستنارة برؤية وحكمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وجهود ولي عهده الأمير محمد بن سلمان الهادفة إلى إطفاء حرائق المنطقة واجتثاث بؤر الإرهاب وكشف الدور الإيراني المدمر الذي استنبت الجماعات المتطرفة واحتضنها ومولها عن طريق عملائه كقطر ونوري المالكي من أجل أن تتاح الفرصة لها كي تتمدد وتعيد بناء إمبراطوريتها التي حلمت بها، وقد نجحت بالفوضى -مع الأسف- في تدمير العراق وسوريا ولبنان واليمن وتمكنت من الهيمنة على القرار السياسي في هذه الدول بواسطة وكلائها، وأجرت عملية تغيير دامية في التركيبة السكانية وفق تمايز طائفي وعرقي ضيق الأفق.
واليوم تبشر الهزائم المتوالية المتلاحقة لتنظيم داعش بفشل الفوضى في المنطقة وبدء إعادة ترتيب أوضاعها بتنسيق تام وجهود مشتركة بين أمريكا والمملكة وتأييد وتعاون من مصر والإمارات والبحرين.
تتم الآن خطوات متتالية للتضييق على نظام الملالي وتقليص نفوذه بما سيتم لاحقا مما وعد به الرئيس ترامب وتطالب به المملكة وتعمل على تنفيذه بإخراج المليشيات الطائفية الفارسية من سوريا واليمن ولبنان واليمن، وحل ما يسمى بالحشد الشعبي وإعادة القرار العسكري لوزارة الدفاع العراقية، وتصنيف «حزب الله» في لبنان إرهابيا تمهيدا لحله وإعادة استقلال لبنان بقراره السياسي والعسكري بديلا لحالة الازدواج والثنائية المكشوفة في إدارة الحكم في لبنان بين رئيسين ووزارتي دفاع، وهذا ما لم يحدث في بلد في العالم سوى لبنان المحتل من مليشيا حزب الله، أي من إيران.
وما دام أن مخطط الفوضى الخلاقة يكاد يلفظ أنفاسه في العراق والشام بهزيمة داعش اليد القاتلة المنفذة للفوضى وسيتبعهما حتما اليمن وليبيا؛ لا مناص لنا من طرح تساؤل أثاره المقال السابق: هل سينقرض فكر داعش؟!
أو بعبارة أخرى: هل يمكن أن يعيد داعش الظهور في ساحة أخرى أو منطقة من العالم بفكر معدل يرفع رايات جديدة وينادي بشعارات براقة تستجلب أفواجًا وآلافًا من الأتباع المغفلين ليحقق بهم خطة سرية وضعتها أية جهة استخباراتية دولية؛ كما كانت التجربة المرة في العراق وسوريا، ومن قبله «القاعدة» أيضا؟!
نعم. يمكن ذلك مع الأسف.
فالأفكار التي انطلق منها التنظيم ومن سبقه كالقاعدة ومن سبقهم كالإخوان المسلمين محفوظة في إرشيفنا ومدونة في تاريخ فرقة «الخوارج» التي اجتهد في تقعيد أيدلوجيتها المؤسسون الأشرار الأوائل لهدم الدولة العربية الإسلامية الأولى، وهي جهود فارسية ويهودية اتسمت بالتخفي والسرية، لتظهر بها أسماء عربية مخدوعة في ذلك الزمان، كما ينخدع بالأفكار نفسها اليوم آلاف من أتباع هذا الفكر الخوارجي.
ولذلك فإن ثمة حربًا أخرى غير عسكرية؛ فكرية وإعلامية وتنويرية يجب أن تدور في كل مكان من العالم، وبخاصة في بلداننا العربية والإسلامية لنحر ووأد فكر الخوارج.