سلمان بن محمد العُمري
أجمعت أمة الإسلام قاطبة من الصحابة -رضي الله عنهم- والتابعين والأئمة وعلماء المسلمين على حجية السنة ووجوب العمل بها والتحاكم إليها والسير على هديها، وغني عن التعريف بأهمية ومكانة السنة النبوية في نفوس المسلمين فهي ركن أصيل من أركان الدين والإيمان بل هو الباب الأول للإيمان، فلا إيمان لمن لم يصدق الرسول -صلى الله عليه وسلم- في كل ما أخبر به وأمر، والله سبحانه وتعالى أثنى على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وزكاه فقال عزّ من قائل في كتابه: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}.
والله سبحانه وتعالى منح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجمع له كل فضيلة وكل خصلة جميلة، ومن ذلك شرف النسب، ووفور العقل، وصحة الفهم، وكثرة العلم، وشدة الحياء، وكثرة العبادة، وسائر مكارم الأخلاق فزكاه بها -عزّ وجلّ- وقال: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.
ولقد حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على تبليغ دين الله تعالى -كتاباً وسنة- أكمل بلاغ وأتمه، وبذل في ذلك الغالي والنفيس من عمره -صلى الله عليه وسلم- وحرص على تعليم أصحابه الكرام ما أوحي إليه من ربه بما اختصه الله به من جوامع الكلم فيعبر عن المعاني الكثيرة باللفظ واللفظين بأبلغ عبارة وأوضحها وأوجزها، والناظر في سنته -صلى الله عليه وسلم- يجدها سهلة الألفاظ قريبة المعاني بسيطة التراكيب بعيدة عن السجع والتكلف، ونقرأ الحديث، وقد جاء قبل ألف وأربعمائة عام فلا نحتاج في معرفة ألفاظه إلى تراجم وقواميس، ومع وجود أحاديث موضوعة ومكذوبة وضعيفة جعل البعض يظن بعدم حفظ الله للسنة النبوية النبوية وهذا خطأ فاحش إذ هيأ الله تعالى الأسباب التي من شأنها حفظ السنة وتمييز صحيحها عما أدخل فيها، وسخر رجالاً لتقييد الأحاديث والأسانيد، ورأينا عناية أئمة السلف بالسنة النبوية وتدوينها، وسبقهم كل ذلك صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حفظ السنة وتبليغها للناس، وفقاً لما أمرهم به نبينا محمد فقد كان من قوله عليه الصلاة والسلام «وليبلغ الشاهد الغائب» رواه البخاري ومسلم، ويقول: «بلغوا عني ولو آية» رواه البخاري، ومما قاله أيضاً «احفظوهن وأخبروا بهن من ورائكم» رواه البخاري، وقال -صلى الله عليه وسلم- لمالك بن الحويرث، وأصحابه -رضي الله عنهم- «لو رجعتم إلى بلادكم فعلمتوهم» رواه البخاري، وغير ذلك من الأحاديث، ثم قبض الله سبحانه وتعالى رجال الحديث الذين اعتنوا به فنقلوه لنا.
ولا يرفض سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا من كان من ذوي الشبه والفرق الضالة ومن لديه زيغ في قلبه.
قال الإمام مالك -رحمه الله-: (سن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وولاة الأمر بعده سنناً، الأخذ بها تصديق لكتاب الله واستكمال لطاعة الله وقوة على دين الله من عمل بها مهتد ومن استنصر بها منصور، ومن خالفها اتبع غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى).
ونظراً لعظم مكانة السنة النبوية لدى المسلمين كونها المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم واستمراراً لما نهجت عليه المملكة العربية السعودية من خدمتها للشريعة الإسلامية ومصادرها، ولأهمية وجود جهة تعنى بخدمة الحديث النبوي الشريف وعلومه جمعاً وتصنيفاً وتحقيقاً ودراسة، فقد أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أمراً بإنشاء (مجمع الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود للحديث النبوي الشريف) يكون مقره المدينة المنورة، ويكون للمجمع مجلس علمي يضم صفوة من علماء الحديث الشريف في العالم ويعين رئيسه وأعضاؤه بأمر ملكي.
لقد سعد المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها بهذا القرار الملكي الذي يحمل دلالات عظيمة في إبراز مكانة السنة النبوية وحفظها وتعظيم شأنها، وهي دليل اتباع للسنة والاهتداء بها ومحبتها وهي من دلائل المحبة والتوقير، ولقد سخّر الله -عز وجل- خادم الحرمين الشريفين ووفقه للسّير على خطى الأئمة الأعلام الذين خدموا السيرة النبوية وتشرّفوا بالعناية بها، ونالوا شرف خدمتها حتى وصلت إلينا محفوظة، وهذا القرار وإن لم يبيّن ويحدد مهام وأهداف المجمع حتى الآن إلا أن الجميع يتفقون على سقف كبير من التطلعات ليؤدي المجتمع مهام عديدة يرتقي ومكانة السنة النبوية الشريفة، وتتفق مع اهتمام خادم الحرمين الشريفين وما يعرفونه عن شخصه الكريم في أن يكون هذا الصرح العلمي العملاق كمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف صرحاً شامخاً في طيبة الطيبة ويكون بينهما تكامل في خدمة مصدري التشريع الإسلامي القرآن الكريم والسنة النبوية، فكما أنهما متكاملان فإن المجمعين مكملان لبعضهما في خدمة مصدري التشريع.
وإذا كان الله سبحانه وتعالى أنعم على أهل السنة والجماعة بصحة الفهم وحسن القصد كما أشار بذلك ابن القيم -رحمه الله- (صحة الفهم وحسن القصد من أعظم نعم الله التي أنعم الله بها على عبده). فإن من توفيق الله سبحانه وتعالى أن يضيف للعبد المسلم شرف خدمة العلم تصنيفاً ونشراً، ولا أعظم من نشر كتاب الله الكريم وسنة المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وكما قيّض الله -عز وجل- خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز لخدمة القرآن الكريم وأنشأ هذا الصرح المبارك وتعاقبه من بعده ملوك هذه البلاد فإن لسلمان بن عبدالعزيز شرف خدمة السنة النبوية إلى جانب رعايته الكريمة لمجمع الملك فهد للمصحف الشريف فأصبح خادماً للوحيين، كما هو خادم الحرمين الشريفين وأنعم به من شرف وأكرم به من هدف وغاية سامية، وسيكون بلا شك من المفاخر العظيمة للأمة ولشخص خادم الحرمين الشريفين فهو من تعظيم النبي -صلى الله عليه وسلم- وإجلاله وحفظ سنته ودليل محبّته، وهذا العمل نحسبه -بإذن الله- من أبواب إحياء السنة، ويرتقب من هذا المشروع الخير الكثير في دراسة السنة النبوية ومدارستها وما فيها من خير للعالم، وعن سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعرفة أحواله وفضائله وشمائله مما يعين على معرفة النبي وتوقيره والاقتداء به واتباع سنته وهديه.
فشكراً لكم خادم الحرمين الشريفين أن حملتم لواء السنة ونصرتموهما فسوف يسجّل التاريخ بمداد من ذهب عن أمركم بهذا الغرس المبارك وإنشاء المجمع وحمل لواء السنة قولاً وعملاً، وأنكم وفقتم مع المدافعين عنها والحامين لها، والله سبحانه وتعالى حافظ لكتابه ولسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وهنيئاً لمن كان له هذا الشرف بالمساهمة في خدمتهما ورعايتهما، وأيّ شرف أعظم من ذلك، وسيبقى هذا المجمع شاهداً على حسن صنيعكم وبذلكم واهتمامكم، فهنيئاً لكم هذا العمل يا خادم الحرمين الشريفين هذا الشرف، وهذا العمل الجليل المبارك، وهنيئاً لطيبة الطيّبة احتضانها لهذا المجمع كما هنئت بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، وكما شرفت من قبل باحتضانها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكانت مصدر إشعاع للعالم وانطلق منها الوحيان ليضيئا على البشرية نور الهداية.