عِندَ طُورِ المجَازِ آنَستُ نارا
قالَ: ألقِ العَصَا تعُدْ مِزمَارا
مفرداً أَقطعُ المجازاتِ وحدِي
ليسَ عندي سِوَى الحروفِ مِهَارا
مفرداً للرياحِ وجهي .. وقَلبِي
للأَغَاريدِ والكؤوسِ السُّكارى
أتوكَّا على عَصَا معجِزَاتي
أَفلقُ البحرَ دهشةً وانبِهَارا
فاتِنَاتُ المجازِ يرسُمنَ حولِي
صوراً للأَنَا استحالَت إِطَارا
لستُ من تُبصِرونَ ضِقتُ بوجهي
ولبستُ المجازَ وجهاً مُعارا
المجازاتُ صورةُ النفسِ فيها
نصفُ وهمٍ نَلوذُ فيه اضطِرَارا
ساهراً أجمعُ البروقَ وأَبنِي
من شظَايَايَ كوكباً سيَّارا
ساهراً أكسِر الزُّجاجَ السَّمَاو
يَّ وفي اللَّامكان أبني مَدَارا
طافَ حَولِيْ ملائكٌ وأَبَاليسُ
ولاحت لي الشُّكوكُ مَنَارا
كأسُ سقراطَ كانَ كأسَ حياةٍ
وخلودٍ وإنْ رأَوهُ احتِضَارا
فاسقني السّمَّ عبقرياً ودَعني
أَنفض الجهلَ عن فمي والغبارا
جمرةُ الشّكِّ لم تزل تُلهبُ الشِّعرَ
وتعطي من وهْجِها أَفكارا
خاضَ بي الشِّعر لجَّةَ الوهْمِ والشّكِّ
فلا شاطئاً أرى لا فَنَارا
إن أرادَ الهوى يميناً يميناً
أو أرادَ اليسارَ مِلْنَا يسَارا
لا دليلٌ مصدَّقٌ غير حَدسِي
ودروبي أَشُقّهنَّ اختِيَارا
و اجتراحُ الجديدِ أهوَنُ عندي
من قديمٍ أدورُ من حيثُ دارا
إنَّ وهمَ الجديدِ أشرفُ من أَنْ
تُزعجَ السَّمعَ بالكلامِ اجْتِرارا
أيُّ فَضلٍ لسَابِقٍ لَم يَفُتنِي
أَنْ أنالَ الذي يَنال ابتِكارا
لي سماءٌ موسُومَةٌ بِسِمَاتي
وفَضَاءٌ دوّرتُه فاستَدَارا
الكِنَاياتُ فاتناتٌ يراوِد
نَ خيالي خلقتُهُنَّ عَذَارى
عندَنَا ألفُ شاعرٍ ولديهم
ألفُ نصٍّ تناسَلُوا تِكرارا
كلّمَا راوَدُوا الكِنَايَاتِ تَلقَى
ظلَّ درويشَ أو تشم نزارا
صورٌ في قوالبٍ صَدِئاتٍ
كلُّ من حازَهَا أقامَ مزَارا
العذَارَى من المعَاني بَعِيدا
تُ منالٍ فخُضْ لهُنَّ بِحَارا
أيُّها الشعرُ من رآكَ فإنِّي
كلَّمَا شِمْتُ بارقاً تَتَوارى
أيُّها الشِّعرُ هل ترى كنتَ روحاً
قُدُسيّ الحضورِ أم كنتَ زَارَا
أيُّها الشِّعرُ هل أُسمّيكَ سعداً
أَمْ أسمّيك خيبَةً و انتِحَارا
كُنْ بلا اسمٍ لكنْ أرحني قليلاً
إنَّ بدرَ التَّمامِ يذوي انحِسَارا
هل ترى في الخَرِيفِ يُزهِر غُصنٌ
في جذورٍ تقصَّفت أَعمارا
أيُّها الشِّعرُ أنتَ ربُّ الأَغانِي
حينَ تُملي جَوَابَها و القَرَارا
أيُّها الشِّعرُ ملهِمَاتُك شتَّى
فاقسِمِ البحرَ بين سلمى و يَارا
أنتَ روحٌ تَدُبُّ في أَبجدِ اللَّفظِ
فتُجري من فيضِها أنهَارا
أنتَ للأغنياتِ روحٌ تَجلَّى
ثقَّبَ النَّايَ دوزنَ الأَوتَارا
إنَّما الشعرُ نفخةٌ من إِلهٍ
وأَرَى الشاعرَ الأبَ المستَعَارا
نُوتَةٌ أَمْ قصائدٌ سَجعةُ الطَّيرِ
فمَن علَّمَ اللحونَ الهَزَارا
قل لنَا ياقصيدُ في أيِّ نَوْءٍ
كوكبُ السّعدِ ينفَحُ الأَشعَارا
قِيلَ تَأتِي قصائِدٌ فاتِنَاتٌ
حينَ آذارُ يُشعِلُ النُّوَّارا
بيَدِ اللهِ قالَ آذارُ شِعراً
للسُّفوحِ التي امتَلتْ أزهَارا
بيَدِ اللهِ شَقَّ في غُصُنِ اللّو
زِ زهُورَا وبَرعَمَ الجُلَّنَارا
لثغَةُ الزَّهرِ وانْسِكابُ الأَغَانِي
واليَعَاسِيبُ تَجعلُ الأَريَ دَارا
ورُعُودٌ تهزُّ صدرَ السَّمَاوا
تِ فَيَنصبُّ ماؤُهَا مِدرَارا
صورٌ من قَصائِدِ اللهِ في الكَونِ
أفَاضَتْ على الوَرَى أَسرَارا
كلُّ تَهويْمَةٍ بقَلبِ مُحِبٍّ
مسَّهَا الشِّعرُ أَصبَحتْ قيثارا
وإِذا لمْ يكُنْ منَ الشِّعرِ بُدٌّ
فاملأ الأَرضَ بَهجَةً واخْضِرَارا
(كلَّمَا أَنبتَ الزَّمانُ قَنَاةً)
صيّرَتهَا أَنَامِلي مِزمَارا
** **
- شعر/ محمد أبو شرارة