د.حامد الوردة الشراري
حديث الفتاة «صوفيا» الهادئ والجاذب وتعابير وجهها بعدما سمعت خبر منحها جنسية وجواز سفر من حكومة المملكة العربية السعودية كأول روبوت في العالم يحصل على هذا الاستثناء التاريخي في منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار» المنعقد في الرياض قبل عدة أيام، خطف أنظار العالم.
الروبوت أو ما يعرف بالإنسان الآلي هو آلة قادرة على القيام بأعمال مبرمجة سلفا، إما بإيعاز وسيطرة مباشرة من الإنسان أو بإيعاز من برامج حاسوبية متقدمة. عادة تلك الأعمال تتسم بالمشقة والدقة والرتابة مثل الأعمال في القطاعات الطبية أو التعليمية أو الصناعية أو التطبيقات العسكرية أو الأمنية أو أعمال خطرة كالبحث عن الألغام والتخلص من النفايات المشعة... الخ. أول ظهور لمصطلح الروبوت (robot) كان في مسرحية كُتبت في عام 1920م لكاتب الخيال العلمي التشيكي كارل تشابيك، وهي كلمة تشيكية متجذرة بالتاريخ.
في وقتنا الحاضر الدول المهيمنة في إنتاج الروبوت واستهلاكه هي اليابان والولايات المتحدة وألمانيا والصين وكوريا الجنوبية، وتعمل تلك الدول بتسارع على زيادة دمج الجيل القادم من الروبوت في الحياة اليومية، وقد قدر سوق الروبوتات الاستهلاكية والصناعية حتى عام 2020 بقيمة قد تصل إلى 500 مليار دولار.
إن المعطيات العلمية الحالية والتقدم التقني المتسارع جعل العلماء يتنبؤون خلال العقود المقبلة أن تحدث طفرات في تقنية الروبوت قد تحوّل الخيال العلمي إلى واقع، مما جعل الكثير من الدول تتجه إلى الاستثمار في تلك التقنيات حتى دول العالم الأقل نمواً أصبحت قادرة على الدخول في هذا المعترك الروبوتي دون الاضطرار إلى بناء قاعدة صناعية متقدمة، وهناك دول في وسط إفريقيا وآسيا حققت نجاحاً في هذا المضمار كشبكة التقنية الروبوتية الإفريقية (أفرون) التي تُعد نموذجاً جيداً لذلك. أيضاً، دولة أستونيا التي عدد سكانها أقل من خُمس عدد سكان الرياض تعمل على تحسين وتطوير تقنية الروبوت لتشكل يد عاملة روبوتية منافسة، وتعادل عدد قوة الصين البشرية التي يفوق عدد سكانها عدد سكان تلك الدولة الصغيرة بألف مرة!
إن الدول التي تطمح أن يكون لها دور محوري في الصناعات والتقنيات المتقدمة المستقبلية واللحاق بالدول المتقدمة صناعياً وتقنياً والتحول من مجتمع تقليدي إلى مجتمع يعتمد على التقنية، عليها توجيه مواطنيها نحو الصناعات الآخذة في النمو بما فيها الروبوت من خلال تهيئة البيئة الاستثمارية المناسبة وإسنادها بقرارات شجاعة والدفع باستثمارات في مجالات غير تقليدية وإنشاء ودعم صناديق «رأس المال الجريء» بسخاء.
وقيادة المملكة الرشيدة وبنظرتها الثاقبة وبمنهجيتها الواضحة مدركة لهذا التوجه العالمي وأهمية الاستثمار فيه، وما إعلان سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن مشروع مدينة المستقبل العالمية «نيوم» التي تقع في شمال البحر الأحمر وتمتد لتشمل الأردن ومصر في منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار» وباستثمارات تصل إلى 500 مليار دولار ضمن إطار تحقيق رؤية المملكة 2030 ، إلا خير دليل على ذلك.
فإلى جانب العمل على استقطاب أفضل الكفاءات العالمية في مجال التقنيات المتقدمة والإبداع والابتكار، وتأسيس بنية تحتية متقدمة لمدينة «نيوم» ولما يُحلم به مستقبلاً، هناك بعض الأفكار التي رغبت طرحها لعلها تؤخذ بالحسبان إن لم يتم التطرق لها بشكل كافٍ أو تفضي لأفكار أخرى أكثر نجاعة، منها:
أولاً: مشروع «نيوم» هي نافذة رئيسية للتوسع في الجامعات المتخصصة، والجامعات هي القلب النابض والمحرك الرئيس في التنمية البشرية. لذا، قد يكون من المناسب البدء في التخطيط بإنشاء جامعة للتقنيات المتقدمة، شاملة لمراكز بحث وتطوير متقدمة، يكون متزمن مع البدء في تنفيذ مشروع «نيوم»، يُختار لها موقع مناسب في المشروع لتكون بيئة جاذبة لأفضل العقول العالمية.
ثانياً: البدء في تأسيس مركز بيانات ضخم لدعم الحوسبة السحابية العالمية كأداة استثمارية وبنية تحتية تقنية لخدمة البيئة الذكية المتطورة لمدينة «نيوم».
ثالثاً: زيادة رأس مال «صندوق الصناديق» الحالي والتوسع في دعم وتمويل المشروعات الابتكارية والواعدة.
رابعاً: تحتل المملكة المرتبة الثالثة عالمياً في قائمة الدول الأكثر توفراً على الموارد الطبيعية، لذا من المهم الشرط باستخدام هذه الموارد بشكل أساسي في مشروعات مدينة «نيوم» كالمنتجات البترولية والخامات المعدنية ومواد أشباه الموصلات... الخ.
خامساً: جرت العادة أن تقدم الجامعات العالمية المرموقة بفتح فروع لها في بعض دول العالم؛ لكن هل من الممكن فتح فرع لوادي السيلكون (تُشكل من أهم الشركات هناك) أو نسخ الفكرة في مدينة «نيوم» كونها بيئة للابتكار والإبداع في قطاعات مستقبلية وحيوية عدة، ليكون حاضناً لخريجي الجامعة المقترحة في النقطة الأولى ومكان جذب للمتميزين من أبناء المنطقة والعالم؟
تقنية الروبوت والذكاء الاصطناعي والهندسة الحيوية والفضاء الإلكتروني والبيانات الضخمة وإنترنت الأشياء ستحدث قفزة حضارية هائلة خلال العقود المقبلة، وما منح الفتاة «صوفيا» الجنسية وجواز السفر السعودي إلا رمزية لمستقبل تلك التقنيات المتقدمة، ومؤشر على توجه المملكة الذكي نحو الاستثمار في المجالات الأكثر حيوية كخيار استراتيجي لخدمة اقتصاد المملكة وتنويع مصادر دخلها.