القاهرة - حوار - سجى عارف:
أُنشئت المنظمة العربية للتنمية الإدارية سنة 1961 بوصفها إحدى المنظمات المتخصصة المنبثقة من جامعة الدول العربية؛ وذلك للمساهمة في دعم وتعزيز التنمية الإدارية في الوطن العربي بما يخدم قضايا التنمية الشاملة. ولمعرفة المزيد عن دور وأهمية هذه المنظمة العربية التقت (الجزيرة) الدكتور ناصر الهتلان القحطاني، المدير العام للمنظمة العربية للتنمية الإدارية، في أول حوار له للوقوف على رسالة المنظمة وجهودها في تقديم خدماتها وبرامجها لحكومات الدول العربية الأعضاء في المنظمة.
وقد بدأ القحطاني بمقدمة تعريفية عن المنظمة قائلاً: نحن بوصفنا منظمة عربية للتنمية الإدارية نقع ضمن منظومة العمل العربي المشترك؛ إذ توجد 12 منظمة عربية متخصصة، وعدد من الاتحادات العربية والمجالس الوزارية، وكل منظمة متخصصة في مجال محدد. ولتقريب الصورة: المنظمة العربية للتنمية الزراعية تُعنى بقطاع الزراعة ووزارات الزراعة. والمنظمة العربية للتنمية الصناعية تُعنى بوزارات الصناعة، ومنظمات العمل بالقاهرة معنية بوزارة العمل؛ وبالتالي المنظمة العربية للتنمية الإدارية معنية بوزارات الخدمة المدنية وما يماثلها وإن اختلفت التسميات؛ فالبعض يسميها الخدمة المدنية، والبعض يطلق عليها تنمية الموارد البشرية، أما في بعض دول المغرب العربي فتسمى الوظيفة العمومية.
والمنظمة مقرها الرئيس في القاهرة، ولها مقر إقليمي في الشارقة، وقريبًا سيكون للمنظمة مقر إقليمي آخر في الرباط.
* حدِّثني عن دور المنظمة في التنمية الإدارية بالنسبة للدول الأعضاء، خاصة المملكة العربية السعودية؟
* المنظمة تتكون من جمعية عمومية ومجلس تنفيذي مشكَّل من سبعة وزراء، يتم انتخابهم من الجمعية العمومية المكونة من 22 وزيرًا. ويُنتخب المجلس لمدة سنتين، كما أن المدير العام للمنظمة ينتخب من خلال المجلس والجمعية لمدة أربع سنوات. كما أن المنظمة تعمل بالتمويل الذاتي من خلال الخدمات والأنشطة والبرامج التي تقدمها. وجميع الدول العربية تستفيد من خدمات المنظمة، خاصة المملكة العربية السعودية التي تشكل الداعم الرئيس لهذه المنظمة أخذًا في الاعتبار أن رئيس المجلس التنفيذي عادة ما يكون وزير الخدمة المدنية في المملكة العربية السعودية بالانتخاب، وكذلك مجلس الخبراء يرأسه المدير العام لمعهد الإدارة العامة السعودي، فضلاً عن كون المدير العام أيضًا من السعودية. ويأتي الاهتمام بهذه المنظمة من القناعة بأهمية التنمية الإدارية الفاعلة، وأنها شرط ومتطلب رئيس لأي تنمية شاملة ومستدامة ناجحة ومحققة لأهدافها؛ ولذلك فإن عددًا من الوزارات والمؤسسات الحكومية في المملكة تستفيد من خدمات المنظمة، وينطبق ذلك على عدد آخر من الدول العربية بنِسَب متفاوتة.
* ماذا عن أنشطة وفعاليات المنظمة؟
* الأنشطة الرئيسية للمنظمة تتركز حول بناء القدرات في الوطن العربي من حيث العنصر البشري أولاً وبناء المؤسسات ثانيًا، وكذلك عدد من الخدمات، بما فيها النشر والتوزيع والفعاليات من مؤتمرات وندوات وجوائز التميز.. وتدير المنظمة عددًا من الجوائز العربية برعاية مؤسسات وشخصيات عربية، وهي من الأنشطة الرئيسة في المنظمة، بما في ذلك جائزة الملك سلمان للإدارة المحلية وجائزة الأمير محمد بن فهد لأفضل أداء خيري.
* رؤية 2030 كيف تراها تسهم في التنمية الإدارية للمملكة العربية السعودية؟ وكيف تقيِّمها كونك مدير المنظمة الإدارية؟
* من المهم الإشارة إلى أن كل دولة وكل مجتمع، بل كل مؤسسة، يجب أن يكون لها رؤية تحدد الوجهة والغاية المنشودة لها في مرحلة زمنية محددة؛ وعليه فإن أهمية رؤية المملكة العربية السعودية 2030 تنبع من أن الجهود والوقت والموارد تسير في نسق واحد، وفي اتجاه واحد من أجل مستقبل أفضل؛ وبالتالي تفادي العشوائية وترك الأمور للمصادفات، وهذا ما يُحسب لرؤية المملكة. الرؤية عبارة عن خطة عمل وطنية شاملة من أجل تنمية شاملة وفاعلة. ومثل هذه الرؤية تتطلب تنمية إدارية من أجل تحقيق أهدافها. ونذكِّر دائمًا بمقولة بيتر دركر بأنه لا توجد دول فاشلة أو دول ناجحة، بل إدارة ناجحة أو إدارة فاشلة؛ وبالتالي لا يمكن أن تنجح أية مشاريع تنموية في أي دولة في العالم ولا يمكن أن تتحقق أي رؤية في غياب إدارة فاعلة. بمعنى آخر: إن الإدارة الفاعلة في أي مجتمع شرط أساسي لتحقيق أهداف التنمية الشاملة؛ وبالتالي التنمية الإدارية مطلب وشرط أساسي لتحقيق أهداف التنمية الشاملة. ونأمل أن يأتي اليوم الذي يكون فيه قناعة عربية حقيقية بأهمية الإدارة، تعكسها ممارسات على أرض الواقع. إذًا، وباختصار: لا بد من وجود رؤية وإرادة حقيقية، أو إصرار على تحقيق هذه الرؤية، ثم إدارة فاعلة من أجل تحقيق هذه الرؤية. كذلك وجود المعلومات والبيانات المطلوبة كمًّا وكيفًا لتحقيق هذه الرؤية، ثم تأتي مشاركة الجميع من خلال عمل مؤسسي.. وكلها شروط أساسية لتحقيق ونجاح أية رؤية. هذه المعادلة أو الوصفة المطلوبة - في اعتقادنا - لتنمية وطنية شاملة وفاعلة؛ وبالتالي فوجود الرؤية في السعودية وفي الدول العربية الأخرى عمل مهم جدًّا، وخطوة مهمة. والأهم من ذلك هو الالتزام بالرؤية، وتحقيق أهدافها المرجوة.
* الفساد الإداري والبيروقراطية المنتشرة في الدول العربية كيف تواجهه المنظمة، خاصة أن هناك اختلافًا وتفاوتًا في الأوضاع الحالية للدول؟
* أولاً، دعينا نتفق على أن الفساد الإداري هو ظاهرة عالمية، ولا يخلو مجتمع من وجود الفساد. والسؤال الأهم هو حول حجم ونسبة الفساد الموجود في المجتمع؟ فهناك فساد في بعض المجتمعات بنسب عالية، وهناك فساد بنسب أقل؛ وعليه نجد أن هناك معادلة واضحة تمامًا، هي أنه لا يمكن أن يكون هناك تنمية حقيقية بوجود فساد؛ فهما خطان لا يلتقيان. الآن، وحتى نكون واقعيين، من الصعب أن يكون لديك صفر فساد، ولكن قدرتك على الحد من الفساد كمؤسسة أو كدولة أو كمجتمع تلعب دورًا كبيرًا في تحقيق أهداف التنمية الشاملة. ومن السهل على المراقب أن يلاحظ مظاهر التنمية أو ظواهر الفساد من خلال الملامح العامة للمدن والشوارع والمطارات والبنية التحتية. أقصد إنها عملية ليست معقدة. ثانيًا: لا يمكن أن تستفيد وتوظف الموارد بالطريقة المناسبة في ظل وجود الفساد، وهذا معروف للجميع، ولا يمكن محاربة الفساد إلا من خلال عمل مؤسسي فاعل. وما نقوله ليس مواعظ أو فرضيات، أما بالنسبة للبيروقراطية فهناك سوء فهم لهذا المفهوم؛ إذ كثيرًا ما يكرر البعض أن البيروقراطية هي المشكلة، والحقيقة إن البيروقراطية ليست إلا طريقة عمل تتم في كل من القطاعين العام والخاص. والمشكلة في كيفية توظيفها، وفي كيفية تسهيل إجراءات وخطوات العمل. بمعنى إن المشكلة تنبع من السلوك البشري داخل هذه المنظمات؛ وبالتالي المشكلة ليست في البيروقراطية ولكن في الممارسات السلبية للعنصر البشري الذي كثيرًا ما يلقي بالمسؤولية على هذا المفهوم (أي البيروقراطية). كما أود الإشارة إلى أن ماكس فيبر، المفكر الألماني الشهير، كان يصف نموذج البيروقراطية بغض النظر عن قبوله أو رفضه لهذا المفهوم.
* حدثني عن دور المنظمة في دعم الشباب، خاصة أن تجارب الدول الناجحة في الدول الأخرى إداريًّا أو حتى سياسيًّا كانت قائمة على شباب وإرادة شاب، فكيف تجد ذلك؟
* إن الشباب في الوطن العربي هم الفئة المهمة جدًّا، التي يجب الحرص عليها. وقد رصدت إحصائية أن فئة الشباب تشكل نسبة عالية من المجتمع، بعضها يصل إلى 70 % من أفراد المجتمع؛ ولذلك المنظمة تهتم كثيرًا بالشباب من خلال ندواتها ومؤتمراتها وبرامجها، ومن خلال إصداراتها أيضًا. لدينا جائزة برعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز تقدم من خلال مؤسسة الأمير محمد بن فهد للتنمية الإنسانية لأفضل مؤلف أو أفضل كتاب في مجال تنمية الشباب، وهذا يأخذنا لموضوع آخر هو أن النظام التعليمي هو أساس التنمية الحقيقية، ولا يمكن أن تتحدث عن مجتمع ناجح ولا عن تنمية فاعلة ولا عن أهمية الإدارة بدون وجود نظام تعليمي فاعل؛ ولذلك يقال خلف كل أمة ناجحة نظام تعليمي متميز. واهتمامنا بالشباب مكمل لدور بقية المؤسسات المعنية بالشباب؛ فنحن ننظر إلى الشباب كمورد بشري أساسي للمنظمات والمؤسسات العربية.
* هناك من يدعو إلى إدخال ممارسات إدارة الموارد البشرية في المؤسسات الحكومية.. هل تؤيد ذلك؟
* إدارة الموارد البشرية هي توجه عالمي، بدأ البعض من المؤسسات العربية في الأخذ به من منطلق أن إدارة الموارد البشرية مفهوم شامل بكل مراحله وخطواته من اختيار العنصر البشري المناسب مرورًا بتأهيله ومساره الوظيفي حتى مرحلة التقاعد. وأرى أنه قد حان الوقت المناسب للتوظيف الأمثل للموارد الكبيرة والهائلة لتطوير مؤسساتنا بشكل تستطيع فيه ليس المنافسة فقط ولكن توفير حياة أفضل للمواطن والمقيم. ونحن بكل تأكيد قادرون متى ما توافرت الإرادة والرؤية الواضحة والإدارة الفاعلة. يجب أن نؤمن بأننا قادرون، وأنه لا فرق بيننا وبين المجتمعات المتقدمة إلا بشرط واحد فقط، هو التعليم الجيد والإدارة الفاعلة. متى ما تحقق ذلك فإن النجاح والتميز مضمونان. وأؤكد أن في الكثير من البلدان العربية هدرًا كبيرًا للموارد من وقت ومال وجهود بشكل مؤسف، ويضيع الفرص؛ ليبقى إنسان المنطقة - هذا العربي الكريم - في معاناة طوال حياته. لقد حان الوقت لإجراء تغيير حقيقي، ولمحاربة الفساد والمفسدين بشكل جاد. نحن في عصر العولمة والاتصال اليوم، عصر مواطن من نوع آخر، مواطن التقنية الحديثة، المواطن العالمي، المواطن الناقد.. من يجهل هذه الحقيقة مكانه المتحف إن وجد مكانًا أصلاً. لدي إيمان عميق وصادق بأن الإنسان العربي والإنسان السعودي يستطيع أن يصنع المعجزات متى ما توافرت له الفرصة والموارد. أكرر فقط التعليم الجيد يصنع الفرق في إطار عمل مؤسسي بعيدًا عن شخصنه الأمور، وبعيدًا عن الإقصاء والتهميش. كلنا أبناء الوطن العربي الكبير، وكلنا مسؤولون عن أمن وسلامة أوطاننا.. لا أحد يستطيع العمل بمفرده.. يجب أن نعمل بشكل جماعي، وهذا أمر ممكن دائمًا متى ما كانت قلوبنا على أوطاننا قيادة وشعوبًا.
*ماذا عن التجربة الغربية؟
* التجربة الغربية هي نموذج ناجح في الإدارة والمؤسسات، والوزارات ليست إلا الذراع التنفيذية لسياسات وتشريعات، تقرها وتعتمدها المجالس التشريعية، بل تراقب مدى نجاح تنفيذها وتحقيق أهدافها. وعند وجود قضية للخلاف بين هذه المؤسسات فإن القضاء المستقل هو من يملك حق الفصل فيها. ويأتي بعد ذلك دور الإعلام المسؤول كسلطة رابعة، ثم المجتمع المدني الفاعل كسلطة خامسة.. إلخ. هذه هي المعادلة الأساسية لنجاح التجربة الغربية، وبدونها تبقى الأمور معلقة.. نستورد كل منتجات الغرب لكن لا نتبنى آليات وطرق عملهم التي أدت إلى نجاحهم.
* كيف ترى الحكومات الإلكترونية في الوطن العربي؟
* كثيرًا ما نؤكد أن ما يسمى الحكومة الإلكترونية أو الذكية هي الفرصة الأكيدة للتطوير والتحسين في مؤسسات القطاع العام. وقد لاحظنا بعض التجارب العربية المتميزة في هذا المجال، بعضها تجاوز نجاحات بعض الدول الغربية، ونلاحظ أن عددًا من الوزارات والمؤسسات السعودية قد قطعت شوطًا كبيرًا في هذا المجال، ولا يفوتني أن أشيد بتجربة وزارة الداخلية السعودية، بما في ذلك الأحوال المدنية، مما انعكس بدرجة عالية من الرضا لدى المستفيدين عن خدمات هذه الأجهزة. تذكروا دائمًا أن الحكومة الإلكترونية تعزز ممارسات الشفافية والحوكمة والتميز المؤسسي.. وأهم من هذا راحة الموظف والمستفيد في آن واحد.
* الشراكة بين القطاعَين العام والخاص.. كيف ترى ذلك كاستراتيجية تتوجه إليها الحكومات العربية بدلاً من الخصخصة؟
* إن الحل الأمثل - في اعتقادي - لتطوير بعض المؤسسات الحكومية هو التوجه نحو الشراكة مع القطاع الخاص، أو ما يمسى PPP. هنا تحقق الدولة عددًا من المكاسب، أولها أنها لن تخسر القطاع أو المؤسسة، ثانيًا أنها تحقق مكاسب من هذه الشراكة ومزيدًا من الإيرادات، وثالثًا تحافظ الدولة على سيطرتها على هذه الهيئة أو المؤسسة بما يخدم الدولة ويخدم المواطن من خلال التشريعات والمشاركة في الإدارة، وأخيرًا تحقيق جودة أفضل للخدمة أو المنتج. ولعل الاتصالات السعودية من أفضل الأمثلة في هذا الشأن. أرجو أن نرى مزيدًا من هذا النوع من الشراكة؛ لأن الجميع يستفيد: القطاع العام، والقطاع الخاص، والمواطن بالتأكيد. لا أميل كثيرًا لما يسمى بالخصخصة؛ لأنها تحتاج إلى حذر شديد، خاصة في البلدان التي تفتقر لتشريعات واضحة وفاعلة؛ وبالتالي فإن بعض الدول العربية كان لها تجارب سيئة مع الخصخصة، نأمل أن لا تتكرر.
* ماذا عن دور وزارات الخدمة المدنية العربية؟ كيف تراه؟
* من المؤسف أن بعض هذه الوزارات في الوطن العربي ما زالت تعتقد أن دورها هو الحفاظ على ملفات موظفي الدولة (أرشفة)، أو أنها موفق بين الجهات الطالبة والمتقدمين للعمل Mach Maker، بينما دور هذه الوزارات أكبر بكثير، بدءًا من وضع سياسات الموارد البشرية بما يخدم أهداف التنمية الشاملة، واختيار العنصر البشري المناسب وفقًا لمتطلبات شغل الوظائف، وكذلك اختيار البرامج والسياسات المناسبة لتعليم وتأهيل وتدريب العنصر البشري.. حتى برامج الجامعات على وزارات الخدمة المدنية أن يكون لها رأي فيها. إن الخريج الجامعي - على سبيل المثال - ليس إلا أحد مدخلات هذه المؤسسات والوزارات، أي العنصر البشري، وهو الأساس - كما نعلم - إذا لم يتم تعليمه وتأهيله وتدريبه بالشكل المناسب فإنه يتحول إلى عبء على الدولة والمجتمع. ثم إن على وزارات الخدمة المدنية التأكد من أن الوزارات والمؤسسات تحقق الأهداف من وجودها بكل كفاءة وفاعلية، وأن هناك آلية لقياس الأداء والمخرجات بما يتناسب مع المدخلات. هناك كثير من الوزارات والمؤسسات تصرف عليها المليارات، لكن لا توجد متابعة فاعلة لما تقدمه من خدمات أو منتجات. أي أن عنصر المتابعة مغيب - كما أشار لذلك الوزير الخويطر (رحمه الله) في أحد مقالاته - وهذه ظاهرة تعانيها بعض المؤسسات العربية: غياب التنسيق وغياب المتابعة مما يعيق أعمال المحاسبة والمساءلة.. ومن الصعب الحديث عن قياس الأداء بدونهما.
* أخيرًا.. ماذا تأمل أن تقدم المنظمة؟
* نأمل بأن تساهم المنظمة في صناعة إدارة عربية ذات ملامح واضحة في إطار البيئة والتجربة العربية، مثلها مثل الإدارة اليابانية أو الإدارة الأمريكية أو الإدارة الألمانية.