«الجزيرة» - عبدالعزيز بن سعود المتعب:
(رأي) مساحة
عبر صفحات الأدب الشعبي في صحيفة «الجزيرة» نُوثِّق من خلالها آراء الأدباء والمثقفين والمتخصصين في كل ما له صلة بالأدب الشعبي.
العامية، هذه اللهجة أو بالأحرى اللهجات المستبدة بكل ما في حياتنا من تآلف ومناجاة ليست وليدة قرن ولا سمة لجيل من الأجيال وليست من الفصحى ولم تنشق أو تتطور عنها، بل هي أقدم من هذا كله، إذ إن الفصحى تطورت في الوقت الذي زالت فيه الدولة الحميرية -حوالي أوائل القرن السادس للميلاد-، وبذلك توحدت الألسنة بفعل الأسواق العربية حتى صارت لساناً واحداً، اللهم إلا بعض اللهجات، أو ما يسمى بطريقة النطق، وهذا والله أعلم واحد من التمهيدات الكثيرة لظهور الإسلام. إذاً هناك لغة عامية كانت والفصحى في أشد قوتها والتوحد اللساني يمشي في طريقه بكل هدوء واطمئنان. يقول الرافعي: (لا نعرف بالتحقيق أصل الشعر العامي ولا منشأه، ولكننا لا نشك أنه قديم، وأن ظهوره كان في أواخر القرن الأول للهجرة) (آداب اللغة العربية ج3، ص174) أ.هـ.
ويقول بروكلمان: (إن لغة الشعر القديم لا يمكن أن يكون الرواة والأدباء اخترعوها على أساس كثرة اللغات، بل كانت لغة فنية قائمة فوق اللهجات، وإن غذتها جميع اللهجات). (تاريخ الأدب العربي).
ويقول الشاعر والمفكر اليمني أحمد الشامي: من دعا لي غزيلي أربح الله تجارته.
قد نظمه أعشى همدان في صدر الإسلام، وقد سكن اسم الجلالة وهو فاعل، ورفع المفعول (تجارته)، وسكن حرف الروي «الهاء». ويقول: إن هذا البيت الموجود بمفرده في الأغاني لا بد وأن يكون من قصيدة، وإن كان أبوالفرج يشك في نسبته إلى الأعشى (الأدب اليمني ص356)، ولكن هذا دليل قاطع على وجود عامية لها جذورها المبكرة.