ياسر صالح البهيجان
الجامعات السعوديّة تضم بين جنباتها عشرات من كراسي الأبحاث ومراكز البحث المتخصصة في مجالات متعددة؛ منها ما هو إنساني، طبي، طبيعي، لكن معظمها لا يكاد يُنتج بحثًا علميًا واحدًا ورصينًا خلال العام، أي أنها مراكز شكليّة في المقام الأول، ذات مناصب ومسميات تشريفية، لا تنسجم مع واقع الكراسي البحثية العالمية ذات الفاعلية والإنتاج المؤثِّر.
مراكز الأبحاث تمثِّل قيمة حضاريّة، وتؤكِّد مدى وعي المجتمع بضرورة الاتجاه إلى الاعتماد على أساليب البحث العلمي لفهم الواقع وتحليله والتنبؤ بمآلات المستقبل، بما يتيح للفرد والمجتمع إمكانية المضي قدمًا في اتخاذ خطوات استباقية توفّر له حياة أفضل؛ صحيًا، بيئيًا، اقتصاديًا، وغيرها، فضلاً عن دور تلك المراكز في تنمية الإبداع لدى الأفراد، وتوفير بيئة حاضنة للعقول المفكرة ودعم وجودها في المجتمع والحد من هجرتها نحو الخارج.
ولتصحيح وضع الكراسي البحثية، علينا أن نحدد عوامل ضعفها، ومن أهمها إهمال الجهات التعليمية لها، وعدم تخصيص مبالغ مالية كافية لتلبية متطلبات الأبحاث الجادة وغير المسبوقة في التخصصات الحيوية، إضافة إلى غياب الجهة العليا المنظمة لآليات عمل الأبحاث العلمية، والمناط بها مهمة التنسيق بين الكراسي المختلفة، والاضطلاع بدور الرعاية والتحفيز والنشر، وإيجاد حلقة تواصل فيما بين الجهات الممولة للأبحاث والجهات المؤهلة لإنتاج البحث العلمي.
نحن في المملكة على أعتاب مرحلة اجتماعية واقتصادية وعلمية جديدة، أي أننا مطالبون بالانتقال من مرحلة الاستيراد والاستهلاك إلى مرحلة التصدير والإنتاج، ليس على مستوى البضائع فحسب، وإنما أيضًا على مستوى الإنتاجات الفكرية التي تتأسس أولاً على الأبحاث العلمية، لذا فإن الاعتماد على الأبحاث المنجزة في الخارج دون العمل على تنمية الناتج البحثي الوطني لن تخدم تطلعاتنا الراهنة، بل قد تتحول إلى معوق رئيس من شأنه أن يبطئ تحولّنا الطموح نحو مجتمع أكثر ازدهارًا وتطورًا.
لن نلقي باللوم على جهة بعينها؛ وإنما هي رسالة لكافة الجهات والمؤسسات التعليمية والشركات الحكومية والأهلية، لعلهم يؤمنون بأن المُنتظر منهم يتجاوز ما يجري حاليًا، وأن التطلعات تنطلق من الرؤى التجديدية والابتكارية التي لا يمكنها أن تنضج بعيدًا عن حواضن الكراسي البحثية التي يشرف عليها كفاءات أكاديمية وفكرية استثنائية، هذا إن أرادت حقًا أن تتواءم مع ظروف المرحلة الآنية، وأن تتحول إلى جهات قيادية ورائدة في صناعة التغيير، ذاك الذي لا يمكن أن يتحقق بالخطوات العشوائية أو بالأفكار المعلّبة والمستهلكة.