عبد الله باخشوين
.. بادرني دون مقدمات... قائلاً:
- تعرف.. فلان.. وفلان.. وفلان.. يكرهوني.. ومستمرين في حربهم علي.. ليه؟!
كانت الأسماء التي ذكرها - وهي كثيرة - لأناس من النوع الذي نعتبره من (المشاهير) أو النخبة.. أو المعروفين.. دون أن ينتظر ردا مني.. مضى يقول:
- لأني عارف مخازيهم وسواد وجوههم..؟!
لم يكن غاضباً أو منفعلاً وهو يقول:
- يمكن أكون الوحيد اللي تجمعت عنده كل أسرارهم ومخازيهم التي يندي لها الجبين.. وللحق.. كانوا ماخذين راحتهم على الآخر.. لأن مدوناتهم السرية كانت محفوظة في دفاتر خاصة.. ومكتوبة بطريقة مشفرة بنوع من الحبر (السري) والأرقام والحروف المطموسة، وعلى طريقة الفنان (سلفادور دالي) الذي قال ذات مرة انه رسم الكثير من لوحاته للسخرية والنيل من مشاهير (السريالية) من أمثال آندريه بيرتون.. وانه كان يضمِّن تلك اللوحات مشاهد (قبح) مموهة.. وأنه كان يحمل اللوحات ويذهب إليهم ليشاهدوها ويبدوا إعجابهم بها ويحللوها بطريقتهم السريالية التي يمقتها.
ضحكنا طبعاً على ما كان يفعله (دالي).. قبل أن يمضي صاحبي موضحاً:
- لم أسطُ على مكاتبهم أو افتح خزاناتهم.. لكن ما فيها من أسرار مخازيهم وصلني وأنا نائم في فراشي.
هنا نهرني محذراً
- ها.. لا تقول من فين جاتك.. وكيف وصلتك.. وكيف تأكدت..؟! لكن فيه سؤال واحد بس: (انته مصدقني.. ولا لا)؟!
قلت بمنتهى الجدية:
- طبعاً مصدقك.. إذا ما أصدقك أصدق مين.
قال بارتياح:
- أجل خذ عندك.. فلان..
وبدأ يسرد على مسامعي ما عرفه منهم عنهم.. أو ما عرفه من أوراقهم السرية شارحاً الأماكن والأوضاع التي وضعوا أنفسهم فيها بمحض إرادتهم كنوع من الاعترافات الذاتية.. التي اختاروا - في لحظات لا يعلم سرها إلا الله - أن يكشفوا الغطاء عنها.. بصراحة مطلقة لا تخلو من (الوقاحة) في الاعتراف.. وهم على يقين من أنها سوف تبقى طي الكتمان.. ربما حتى بعد أن يغيّبهم الثرى.. غير أن خبث ودهاء صاحبي مكنه من استخراجها وفك رموزها وأسرارها.. ووصل به الأمر إلى أن يرويها لشخص متهور مثلي.. يكتب عن حياته الشخصية وأسرارها ولن يجد في نفسه ما يردع من الكتابة عن آخرين من النوع الذي يتحدث عنه ذلك الصديق أو العدو الذي لا يمكن الاستهانة به وبما عرف ويعرف.
رغم أن القائمة لم تكن طويلة جداً.. غير أن ما فيها يثير العجب.. فهي تكشف عمن يفترض أنهم أسوياء مخازي ليس أقلها انحرافهم وانحطاطهم إلى أسوأ ما يمكن أن يصل إليه المريض النفسي المزمن من سوء والعياذ بالله.
قلت بضيق:
- طيب.. والقصد.. أش حتسوي في هذه البلاوي..؟!
قال ببساطة:
- ولا شيء.. أعدت كتابتها بأسلوب قصصي.. وحطيتها في الدرج.. ماني فاضي لمخازيهم.. مو وقتها الآن.. ويمكن ما يجي وقتها نهائياً.
قلت بدهشة:
- لكنك رويتها لي.. وخليتني أشوفها كأنها فيلم أكشن.
قال مهدداً:
- هيا كتّم على الموضوع.. ولا تفضحنا الله يخليك..؟!
قلت مطمئناً:
- لا تخاف.. سرك في بير..؟!
ومضيت أبحث عن الورق والقلم الرصاص.