عبده الأسمري
بين الامتثال والاستدلال اعتلى المنابر والمحاريب.. علا بالوسطية واستعلى بالتواضع.. وقف في محور ثابت قوامه «الموضوعية» واستقامته «طلب العلم» سائراً في اتجاهات متعددة ومسارات متجددة من فنون الدعوة .
إنه الداعية الإسلامي إمام وخطيب جامع قباء بالمدينة المنورة العالم الشيخ صالح المغامسي، أحد أشهر الخطباء وأبرز الأئمة وأمهر الداعين إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة .
بوجه مديني أصيل ومحيا نبيل هادئ يسكنه الهدوء وتملؤه السكينة تعلوه سمات «الفصاحة» وتؤطره ملامح «الحصافة»، وعينان واسعتان تتحركان بإصرار حين الحديث، وتشخصان باقتدار أثناء الآيات وتدمعان بانحدار حيث العبرة وتغمضان باعتبار عند التدبر، وذقن مشذب خفيف يتقاطع مع كاريزما تقية نقية، يطل الشيخ المغامسي متحدثاً مفوهاً وخطيباً بارعاً وموجهاً مبدعاً في الخطب الدينية والمواعظ الشرعية والمناسبات الدعوية.
في طيبة الطيبة كان المغامسي طفلاً يستمع لمكبرات الصوت في المسجد النبوي متأبطاً ذراع والده متوجهاً للصلوات، منصتاً ناصتاً لتلاوة الشيخ عبد العزيز بن صالح، فتعالت في آذانه عجائب التلاوات وتوالت في ذاكرته معاني الذكر الحكيم، وتوطدت في روحه روحانية الأماكن وعبق الطهر فنشأ محباً للعلم عاشقاً للمعرفة..
كان مستمعاً لنصائح والده التي أسبغت عليه نعم «البر» وسامعاً لأقوال والدته التي أمطرته «حناناً عميقاً» وعطّرته «عطفاً متعمقاً»، فسار بين اتجاهين تربويين فاخرين صقلت شخصيته ووجهت بوصلة أمنياته إلى «وجهات النبوغ» «وواجهات البزوغ».
كان المغامسي يراقب جموع الخطباء ومجاميع العلماء وهم ينثرون الإبداع خطباً وينشرون الإمتاع حديثاً في جنبات المسجد النبوي الشريف، مدوناً في ذاكرته هذه المحافل فظل قريباً من تلك المنابع مرافقاً لوالده الذي جعل في قلبه صدى العبارات الجميلة، ودفعه ذات يوم ليلقي أول حديث أمام جمع من أساتذته ورفاقه وهو في سن الرابعة، بلغة بدأت ترصف له جسور المستقبل البلاغي الذي توجه بشهادة الخلق واستشهاد المنصات.
سيرة تعليمية باهرة بدأها المغامسي بدراسة الابتدائية في المدرسة الناصرية ومن ثم المتوسطة والثانوية في المدينة، ثم درس اللغة العربية التي أحبها في جامعة الملك عبد العزيز فرع المدينة ، ولأنه شغوف بالعلوم الشرعية وحب المساجد ومجالسة العلماء، فقد درس على يد العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، وعكف على كتبه ناهلاً من الشرع منتهلاً من الحديث والتفسير وتتلمذ على يد الشيخ عطية محمد سالم، والشيخ أبو بكر الجزائري، وحضر لقاءات متنوعة مع الشيخين ابن عثيمين الشيخ ابن باز - رحمهما الله -، وظل معجباً بومضات الشعراوي متعجباً من تلاوات «ابن صالح»، متشبثاً بإضاءات «الشنقيطي».
أكمل المغامسي سيرته الدراسية بمسيرة عملية لا تزال عاقبة بالفضل سابقة بالنبل، محتفياَ بالعطاء العلمي متسلحاَ بالإثراء المعرفي، حيث عمل معلماً في المرحلة المتوسطة خمس سنوات وعاماً في الثانوي وخمسة أعوام في الإشراف التربوي ثم في كلية المعلمين بالمدينة. وعمل خطيباًَ في مسجد السلام والمهاجرين وجامع الملك عبد العزيز ثم إماماً وخطيباً لمسجد قباء وعيِّن أميناً للجنة الأئمة بالمدينة النبوية، وله عضويات في هيئة التوعية الإسلامية في الحج. ولجنة التحكيم في الهيئة العالمية للإعجاز العلمي للقرآن والسنّة وغيرها من الجهات.
واعتُمد عام 2008 كمفتٍ رسمي في القناة الأولى في التلفزيون السعودي. وعُيِّن مديراً لمركز بحوث ودراسات المدينة المنورة في عام 2009، وكُلف محاضراً في المعهد العالي للأئمة والخطباء بجامعة طيبة الفترة المسائية، بالإضافة إلى عمله صباحاً كمدير لمركز البحوث والدراسات، وله مشاركات علمية متعددة في العديد من الدول الخليجية والعربية.
المغامسي وجه مألوف محبوب يمتلك رصيداً مديداً في قلوب المتابعين، من خلال إطلالته العامرة بالخطاب وطلته الغامرة بالجواب في دروس علمية بعدّة قنوات فضائية في مجال التفسير والدعوة والحديث والسيرة، في التلفزيون السعودي وقنوات المجد وأقرأ ودبي وغيرها من البرامج إضافة إلى درس أسبوعي في التفسير بمسجد قباء.
يتوشح المغامسي بمزايا تشرّبها من ميزان ديني ومنطق روحاني تحفه عبرات «الخشية « وتتحفه معبرات «التقى»، في شخصية سارت بموضوعية ووعظ وتواضع وعظة جعلها مقومات في علمه ومقامات أثناء عمله واضعاً التنظيم والشمولية والوفرة العلمية والتلقائية ولسان قويم ولغة باهرة، وصوت جلي، خطوطاً متينة رسم بها مشهد «الدعوة»، وكتب بها صفحات سيرته بمداد «الإنتاج» وسداد «الرأي» وعتاد «الفضيلة».