د. جاسر الحربش
النموذج المثالي للمرأة السعودية القادمة هو المواطنة التي تقود سيارة العائلة إلى المدرسة والعمل والمستشفى، وتحمل مؤهلاً وظيفياً يضيف لاستقلال العائلة المادي، التي إن حضرت وتحدثت ملأت المكان بالتقدير والإقناع وتبدو في المجموعة تجسيداً للاحترام والأناقة، الآنسة التي يرغب كل شاب أعزب الاقتران بها، والسيدة التي يغبط المتزوج زوجها عليها، المرأة التي إذا أقبلت استقبلت بالترحيب وإذا انصرفت ودعت بصمت الإعجاب.
أكيد أن هذه مواصفات تعجيزية، وعلينا أن نكتفي حالياً بالاستهداف التعليمي المنهجي والتربوي والاجتماعي للاقتراب على الأقل من هذه المطالب، بادئين بتحسين المتوافر حالياً من النماذج النسائية بعد التقييم المنصف.
لكن ماذا عن المواطن الرجل، ما هي المواصفات المطلوبة الكافية لاعتباره رجلاً حقيقياً يؤتمن على المستقبل وما هي النماذج الحالية المتوافرة؟
لن أغامر بالتعميم وسوف أتكلم عن المتوقع. في دماغ الشاب السعودي الأعزب تقبع الفتاة اللعوب حتى يقرر الزواج فتحل محلها في نفس الدماغ بنت العائلة حسنة التربية عفيفة النظر المناسبة لحفظ العائلة وتربية الأطفال القادمين. في المقابل يقبع في دماغ الفتاة السعودية الشاب الرومانسي فائق الوسامة بمواصفات فضائية عابرة للقارات، الذي إن حضرت رحب بها وإن غابت لا يسألها أين كانت ومن أين جاءت، وأي من هذه المواصفات لا يتوافر في أبو سروال وفنيلة. الكلام هنا ليس عن الأغلبية المطلقة وإنما عن النسبة المقلقة.
من يراقب جيل الشباب السعودي الحالي دون سن الثلاثين يلاحظ التركيز على ثنائية الحضور الجسدي والاندلاق اللفظي المتساهل في الكلام والجلوس والتلفت والتضاحك وتعديل الهندام. قارن بين طواقم الفضائيات الأجنبية (الإنجليزية، الفرنسية، الألمانية) وطواقم الفضائيات العربية، قارن بين نساء ونساء ورجال ورجال، فماذا تجد؟ سوف تجد المواصفات المهنية المتميزة مع القليل فقط من الجمال الجسدي في الفضائيات الأجنبية، وتجد العكس في الفضائيات العربية، ودع عنك الفضائيات الأمريكية لأن الإعلام الأمريكي لا يهتم بالعقول بقدر ما يهتم بالتسويق الاستهلاكي.
الاستنتاج هو أن الشهرة التي توفرها ثنائية الجسد واللسان بسبب تسويقها الواسع والمكثف أمام المشاهد العربي من الجنسين تحولت إلى نموذج التحرير والنجاح وتحقيق الذات في المستقبل عند الشباب. هنا يأتي السؤال الاجتماعي المهم، هل للمرأة بالذات، ولكن أيضاً للرجل الحق في التصرف المطلق بالجسد؟ هذا السؤال يزداد اتساعاً وكثافة في وسائط التواصل الحديثة، وإجابات كثيرة تقول نعم.
الجواب يجب أن يجمع بين الحريات المباحة داخل العقد الاجتماعي وعدم التلاعب بالروابط المؤسسة للزواج والتربية والتكافل. النماذج التي تحتج على ذلك بالحريات الشخصية وترفض الأسس الاجتماعية للترابط تكون مدمرة لذاتها وللأسر التي أنجبتها وللمجتمع الذي تتحرك بداخله.
ولأن الموضوع في نظري على غاية الأهمية للتحول الوطني الذي بدأناه، يتوجب علي كتابة حلقة أخرى لاستكمال النقاش، آملاً أن يتوسع حول النموذج الوطني الذي يستهدفه التحول.