سعد بن عبدالقادر القويعي
رغم فسادهم البيّن، وسقوط قيمهم، وانهيار منظومتهم الأخلاقية، فإن بعضهم يظن أنه فوق النظام، وأنه في مأمن من العقاب؛ استلابا، وتغريبا عن الذات، وعن الآخرين، كتعبير للمصطلح عن الصراع بين مصلحتي - الأنا والجمع -، ووقوع الفاسدين بين مطرقة النهب من محترفي الدجل، والنصب، وبين سندان الأطماع إلى حدّ خيانته، والتآمر عليه؛ حتى وإن كان على حساب مصلحة الوطن، والشعب، والمال العام، وإهدار دولة النظام، وإرباك السياسات الاقتصادية، كانتشار ظواهر اقتصادية سلبية، وعدم دقة بيانات المؤشرات الرئيسة للاقتصاد الوطني؛ فينتج عنه التدهور الاقتصادي .
ليس الفساد ظاهرة جديدة، فالفساد بحسب الأدبيات، والأفكار، هو كل اعتداء على حق المواطن الذي يضمنه الدين، والنظام الطبيعي، والقانون الوضعي، والقانون الإنساني . وهو شجرة الخيانة، وعنوانها الرئيس لخلط الأوراق، وتناثر الأسباب مع المسبّبات، وتسيّد النفاق على الولاء . وهو كالعفن تفوح رائحته أكثر كلّما طال وقت تخميره؛ كونه إخطبوطا جاثما على أنفاس الوطن؛ فيدمر الشعب، ويهلك مقوماته، ويخل بنمو البلد؛ لأن أبشع صور الخيانة، وأقبحها، هي خيانة الوطن؛ فتتلمس - حينئذ - الدناءة، والانحطاط، واللؤم، والخسة التي تنطوي عليها نفس الخائن.
إن انتشار الفساد انتصار للأعداء؛ لأنه سيترك بصمته، ويؤثر في مجتمع الوطن، وقيمه، مع التخلي الكامل عن أي إحساس بمصلحة الوطن، والمنتمين إليه؛ لأنهم يسيرون وفق خطة ممنهجة لضرب الاقتصاد الوطني بشكل مباشر، أو غير مباشر، والعمل على ضعف أساساته، وجعله هشا، سهل الانهيار مع مرور الزمن؛ باعتبار أن أسباب الفساد المالي كثيرا ما تختلط بأسباب فساد في مجالات أخرى؛ ولأن المالَ العام تتعلَّق به ذمم جميع أفراد الأمة، فإنَّه يعتبر من أخطَر القضايا التي تهدد الأمن - الاجتماعي والاقتصادي والسياسي -.
بالأمس القريب، كان لاستلهام الأمر الملكي لخادم الحرمين الشريفين - الملك - سلمان بن عبدالعزيز، والقاضي بتشكيل لجنة عليا برئاسة ولي العهد؛ لحصر جرائم الفساد العام، والتحقيق فيها، ردع لكل من تسول له نفسه الاستقواء على الوطن، وحقوقه، أو التقصير في واجباته تجاه الوطن ، بحكم جاه، أو منصب . فالحزم في تطبيق القوانيين، والأنظمة مطلب لا حياد عنه، تنادي به كل الضمائر الحية لمصلحة الوطن؛ فتطبق بحق مرتكبيها أشد العقوبات دون استحياء، أو استرضاء، أو محاباة ممن أساءوا، وعاثوا في الوطن نهباً، وسلباً، وكل من ثبت، ويثبت عليه فعل مشين، كتلك الأفعال التي تستدعي المسائلة، والمحاسبة.
سلمان الحزم .. سنرسم اسمك، وسنكتب رسمك بأحرف من نور في صفحات التاريخ، والخلود ، وستتذكرك الأجيال جيلاً بعد جيل؛ لأنك مثلنا الحاضر - منذ أن توليت المسؤولية -؛ فهدفت إلى حماية المال العام ، ومحاربة الفساد، والقضاء عليه، وتطهير المجتمع من آثاره الخطيرة، وتبعاته الوخيمة على الدولة في مؤسساتها، وأفرادها، ومستقبل أجيالها . كما عاهدتنا على تتبع هذه ملفات الفساد؛ انطلاقاً من مسؤوليتك تجاه الوطن، والمواطن؛ وأداء للأمانة التي تحملتها بخدمة هذه البلاد، ورعاية مصالح مواطنيك في جميع المجالات؛ واستشعاراً منك بخطورة الفساد، وآثاره السيئة على الدولة - سياسياً وأمنياً واقتصادياً واجتماعيا -، واستمراراً على نهجك في حماية النزاهة، ومكافحة الفساد، والقضاء عليه، وتطبيق الأنظمة بحزم على كل من تطاول على المال العام، ولم يحافظ عليه، أو اختلسه، أو أساء استغلال السلطة، والنفوذ فيما أسند إليه من مهام، وأعمال؛ مطبقا ذلك على الصغير، والكبير، ودون أن لا تخشى في الله لومة لائم، وبحزم، وعزيمة لا تلين، وبما يبرئ ذمتك أمام الله - سبحانه -، ثم أمام مواطنيك