يوسف المحيميد
دائماً يُقاس تقدّم الدول وتحضرها بمدى تقدّمها في سلم ترتيب النزاهة الدولية، فكلما كانت هذه الدول بمعدل فساد أقل، استطاعت أن تحقق النماء والازدهار أكثر من غيرها، وكلما عنى ذلك أن ثمة رقابة قانونية وعقوبات صارمة على كل مواطن يستغل منصبه في كسب غير مشروع، مما يعني حماية المال العام من التطاول عليه.
لقد كان قرار خادم الحرمين الشريفين بإنشاء لجنة عليا برئاسة ولي العهد، وعضوية رئيس هيئة الرقابة والتحقيق، ورئيس الهيئة الوطنية ومكافحة الفساد، قرارًا عظيمًا، للقيام بحصر قضايا الفساد العام، وتنفيذ قرارات قوية بإيقاف عدد من المتنفذين في البلاد، ممن يشتبه أو ثبت تورطهم في قضايا محددة، للتحقيق معهم، ومحاكمتهم على كل أفعالهم التي سببت تعطيل عجلة التنمية، وحرمت المواطن من الاستفادة من عدد من المشروعات الوطنية المهمة.
كانت ليلة الأحد لا تُنسى في تاريخ الدولة السعودية الجديدة، فالأحكام طالت الجميع، ولم ينجُ منها أحد، مهما كبرت مكانته أو مركزه، فلم يعد ثمة حصانة تحمي أحدًا، الجميع سواسية أمام القانون، والتحقيق سيطال الجميع دونما تمييز، وهذا ما يحدث في الدول المتقدّمة، التي صنعت قوانينها الواضحة والمطبقة على مدى عقود طويلة، وهو ما تسير نحوه المملكة الجديدة، التي ستكون نموذجاً تقدمياً للمنطقة بأسرها.
هناك أرقام افتراضية مبدئية عمَّا تعادل أرقام المال العام المفقود، لكنها قد تعادل موازنة المملكة لعدة سنوات، مما يعني أنها لو كانت متوفرة لما تعرضت البلاد لأزمة اقتصادية سببت تعطيل مشروعاتها، ولعل هذه الخطوة العظيمة، وإنشاء هذه اللجنة العليا، هو التفعيل الحقيقي الأول لدور هيئة مكافحة الفساد، والممارسة المنتظرة من هيئة الرقابة والتحقيق، التي أفنت عمرها الطويل في الرقابة على دوام الموظفين وحضورهم وانصرافهم... هنا وضعنا أقدامنا بثبات في الطريق الطويل للإصلاح الشامل.