محمد آل الشيخ
بالنسبة لكثير من الراصدين لظاهرة الإرهاب المتأسلم، لم يتفاجؤوا مما جاء في الوثائق السرية التي أفرجت عنها السي آي إي، حول العلاقة الحميمية بين القاعدة وإيران، فقد كانت هناك مؤشرات مؤكدة كثيرة تتحدث عن تلك العلاقة، أهمها وجود سعد بن لادن في إيران الآن وكذلك عندما كشف الداعشي الهالك أبومحمد العدناني، وكان متحدثاً رسمياً حينها باسم داعش، عن أن خلافهم مع القاعدة، سببه أن القاعديين ينأون بأنفسهم عن الصدام بمصالح إيران في المنطقة، ويريدون من الدواعش اقتفاء أثرهم في هذا المنحى، ومن هنا كان الخلاف.
القاعدة -كما هو معروف- الذراع العسكري لجماعة الإخوان، والحركتان وإن أظهرتا بعض الاختلاف في التكتيكات، لذر الرماد في العيون، يعملان لخدمة ذات الهدف النهائي، وقد اتضح ذلك جلياً حينما وصلت جماعة الإخوان إلى هرم السلطة في مصر.
وجماعة الإخوان تعمل بتنسيق وتناغم مع إيران، ولا يخفى ذلك إلا على البسطاء والسذج الذين لا يقرؤون مؤلفات وأدبيات الإخوان منذ حسن البنا مروراً بايمن الظواهري ونهاية بمواقف يوسف القرضاوي من إيران. وكذلك الرئيس محمد مرسي الذي زار إيران حين كان رئيساً لمصر، وأعاد معها العلاقات الدبلوماسية، التي كانت مقطوعة بين البلدين. كل هذه الحقائق التي أكدتها الوثائق الآن، لم تفاجأني. غير أن الأمر الذي أثار كثيراً من علامات الاستفهام لدي، والتي لم أجد حتى الآن إجابة لها، تكمن في كيف أن هذه المعلومات الموثقة والخطيرة، كانت السلطات الاستخباراتية الأمريكية قد كشفتها، ومع ذلك لم تُغير من مواقف الرئيس السابق باراك أوباما قيد أنملة في سعيه الحثيث و(المشبوه) في توجهاته نحو تحسين علاقات إيران مع الغرب عموماً ومع أمريكا خصوصاً من خلال توقيع الاتفاقية النووية معها؟.. فإذا كانت إيران حليفة لابن لادن والقاعدة، وبينهما تنسيق تكتيكي وتعاون خلف الكواليس،، ومادام أن الإرهاب، والقاعدة، هي -كما يقول أوباما- العدو الأول للولايات المتحدة، فلماذا يمنح إيران الفرصة، لكي تهرب من العقوبات الاقتصادية، وتحصل على مبالغ كبيرة كانت مجمدة في المؤسسات المالية الأمريكية، وهو يعلم يقينا أنها ستستخدمها في مساندة ودعم العمليات الإرهابية؟.. الأمر بالفعل مثير للشكوك والارتياب، خاصة وأن الرئيس الحالي ترامب، يسعى الآن -كما هو واضح- إلى تصحيح الموقف الأوبامي غير المسؤول، وغير المفهوم، والذي يكتنفه التفريط بمصالح الولايات المتحدة العليا.
وليس لدي أدنى شك في أن كلينتون لو فازت بالرئاسة الأمريكية، ولم يأت ترامب إلى البيت الأبيض، لما تم الكشف عن هذه الوثائق وما احتوته من معلومات خطيرة، ولكانت إيران قطعاً أقوى وبمراحل من قوتها الآن. وفي تقديري أن هذه الوثائق الخطيرة ستغيّر كثيراً من قواعد اللعبة في مواقف أعضاء الكونجرس، وبالذات المترددين منهم في سياسة الحزم مع إيران، ليقفوا مع توجهات الرئيس ترامب تجاهها، ولا أستبعد -أيضاً- أن كشف هذه الوثائق في الآونة الأخيرة، جاء بتوجيه من الرئيس الأمريكي، لينسف فيما بعد الاتفاقية النووية، ويعيد إيران إلى ماكانت عليه قبل أن يدخل هذا الرئيس الشجاع إلى البيت الأبيض.
أما ما جاء في تلك الوثائق عن قطر فتستطيع أن تقرأه بين سطور بعض الوثائق، فابن لادن يعتبر المملكة ودول الخليج أعداء، وأنهم سينتهون، لكنه يستثني قطر من بين دول الخليج، ولابد أن هذا الاستثناء له ما يبرره عنده، وهو أن القطريين جعلوا من قطر وأجهزتها وثرواتها، أدوات تعمل ليل نهار لخدمة القاعدة والإرهاب. وهذا ما كانت تقوله الدول الأربع حين قاطعت قطر.
وعلى أية حال فإن إفصاح الأمريكيين عن هذه الوثائق الخطيرة والسرية، وفي هذا الوقت بالذات، لا بد وأن له مبررات سياسية، ستكشفها الأيام القليلة المقبلة.
إلى اللقاء