الرياض - خاص بـ«الجزيرة:
طالب الدكتور فايز بن عبدالله الشهري عضو مجلس الشورى والخبير في الأمن الفكري وأمن المعلومات بتفكيك خطاب الإحباط. والتشويش في نفوس الشباب وبعث الأمل لهم لبناء النموذج (القدوة) الإيحابي أمامهم.
وأكد د. فايز الشهري في حواره مع «الجزيرة» أن فشل برامج وحملات الأمن الفكري لأنها تدار بنمطية وعقلية موظفين بلا إبداع شكلاً ومضموناً، وأننا ننتظر من المؤسسات التعليمية أن تخرج لنا مواطناً لديه الثقة بنفسه وقيمه، مشيراً إلى أن الجريمة الإلكترونية ضريبة الانتشار الهائل لوسائل الاتصال وانخراط ما يزيد عن ثلاثة مليارات وثمانمائة مليون إنسان في استخدامات الإنترنت.
والحوار مع د. فايز الشهري له خصوصية متميزة فهي مع أكاديمي وباحث متمكن له حضوره القوي في المؤتمرات العلمية، والمشاركات الإعلامية المتنوعة في داخل المملكة وخارجها وبالذات ما يتعلق في مجال تخصصه العلمي وخبراته العملية.. وفيما يلي نص الحوار:
* على الرغم من أهمية تعزيز الأمن الفكري في المجتمع إلا أن كثيراً من القطاعات لم تؤد دورها المطلوب، ترى متى سيتم تعزيز الأمن الفكري في مؤسسات الوطن؟
- بداية لا بد من مراجعة مصطلح «الأمن الفكري» بما يحمله من دلالات في ظني أنها لا تخدم القضية ولأن المصطلح ظهر في ظروف صعبة فقد استمر مشوشاً لفظاً ودلالة. ولهذا اقترح على سبيل المثال مصطلح «الفكر الآمن» الذي إذا خدمناه سيتحقق لنا «الأمن الفكري» نتيجة. ولكن في كل الأحوال لم تعد المراهنة اليوم على الخطاب التوعوي الرتيب الذي تمارسه أغلب المؤسسات. المراهنة الحقيقية هي على وعي المجتمع الذي أدرك - بعد أن تجرّع الدروس وشاهد العبر في أكثر من مجتمع من حولنا - أن التشدد والتطرف الفكري هو التحدي الكبير أمام التنمية والمستقبل. ولعل هذا يفسّر سبب فشل كثير من البرامج والحملات والكيانات التي ظهرت باسم «الأمن الفكري» لأنها في غالبها تدار بنمطية وعقلية موظفين يؤدون واجبهم في حده الأدنى في غياب الإبداع شكلاً ومضمونًا.
* المؤسسات التعليمية.. في تصورك أين يكون ترتيبها في خطوط الدفاع عن أمن المجتمع وسلامته؟
- مؤسسات التعليم دورها سيظل دوماً هو الأكبر والأخطر والأهم في عالم اليوم. وأبرز سبب لذلك أن الطالب يقضي نصف يومه ونصف عمره في مؤسسات التعليم الرسمية. ولهذا فإننا ننتظر من المدرسة والكلية أن تخرج لنا مواطناً لديه الثقة بنفسه وقيمه. هذا المواطن السوي التوازن سيعيش مؤمناً بقيمه واثقاً في مستقبل وطنه فلا يهتز لخطابات التطرف ولا يستجيب لدعوات التشدد والعنف. لا مناص في مؤسسات التعليم من تعزيز قناعة: أن بناء الشخصية المحصنة في قاعات الدراسة هو مسؤولية شرعية وطنية وعلى الجميع دعم هذه المؤسسات ومساندة كوادرها حتى يمكن أن تكون المدارس والكليات جسوراً إيجابية بين الشباب ووطنهم وما يمثله.
* تنتشر كراسي البحث العلمي عن الأمن الفكري ومكارم الأخلاق وتعزيز القيم في المجتمع وغيرها.. ترى هل ترون أن تلك الكراسي أدت دورها المطلوب منذ إنشائها؟
- لو كان بيدي لدمجت كل هذه الكراسي ومعها الكيانات الإدارية الرسمية المعنية بالأمن الفكري في مركز أبحاث نوعي متخصص حتى يمكن توفير النفقات وتركيزاً للجهد وقطعاً للمزايدات مع الأسف .. الملاحظ أن أغلب النشاطات في مجال «الأمن الفكري» لا تخرج عن المظاهر الاحتفالية والتكرار ناهيك عن ضعف معظم المخرجات وعدم تأثيرها في الشباب خاصة وفي المجتمع عامة.
* هل تعتقدون أنه لا يزال شباب المملكة مستهدفون؟ ولماذا؟!
- شباب المملكة وكل مقدرات الوطن مصانة بحول الله وإن حصل بعض الاستهداف فهذا ديدن الخصوم. ولكن لا ينبغي لنا أن نركن إلى كلمة «مستهدفون» لنعفي أنفسنا من المسؤولية التاريخية في بناء شخصية جيل محصن وقوي ولديه الأمل والثقة. كما أن عزو مشكلاتنا للخارج يجعلنا ربما نبرئ بعضنا ونضع التبريرات دفاعاً عن تقصير وحماية لمن عبثوا في عقول الشباب بقصد أو دون قصد. الواضح على مدى سنوات أننا تُركنا قسماً مهماً من الشباب حقل تجارب لنشاطات واجتهادات بعض من لا علم عندهم ولا ورع ولا ومسؤولية فشتتوا بعض الشباب نفسياً وفكرياً وحولوهم إلى كيانات هشة دفعت قسماً منهم للبحث عن ذاته في التطرف والتكفير والعنف.
* الجماعات المتطرفة تجند الشباب عبر وسائل التواصل الحديثة، كيف نواجه تلك الظاهرة؟
- المواجهة الصادقة المستدامة تكمن في بناء النموذج (القدوة) الإيجابي أمام الشباب. وهذا يتطلب تفكيك خطاب الإحباط والتشويش وبعث الأمل في نفوس الشباب. إذا اهتدينا إلى هذا المنهج فستتحقق لدى الشاب مناعة ذاتية ستعمل بشكل تلقائي كحائط الصد الذي ترتطم عليه كل محاولات جماعات التطرف أياً كانت مرجعيتها وفكرها وغاياتها.
* هل تعتقدون أن غياب أو انعدام المتحدثين الإعلاميين لدى القطاعات الحكومية أسهم في زيادة بث الشائعات والاحتقان في المجتمع جراء غياب المعلومة؟
- ربما يكون هذا من الأسباب. والغريب في عصر المعلومات أن تجد مؤسسات رسمية ما برحت تفشل في تقديم المعلومة السريعة والدقيقة لجماهيرها. المتحدث الإعلامي له دور ولكن الدور الأهم هنا هو مستوى ثقافة مسؤولي المؤسسات وشعورهم بأهمية حق الناس في الاطلاع والمعرفة.
* يؤكد الخبراء أن تطور وسائل التواصل الاجتماعي من أبرز أسباب تنامي الجريمة الإلكترونية وبالذات في بث الأفكار المنحرفة والمتطرفة .. كيف يمكن معالجة ذلك؟
ظاهريا نعم ولكن أيضاً يمكننا أن نقول إن وسائل التواصل الاجتماعي قدمت لنا خدمة كبرى وهي إظهار التشوهات الفكرية والخلقية كما هي دون تزييف. وفي الجانب الآخر من عصر الشبكات رأينا كيف أصبح الفرد شريكاً في الرصد والمواجهة. ومن هنا فالجريمة هي الجريمة في الواقع أو على الشاشات المتغير الثابت هنا هو الإنسان المرتكب للجريمة والإنسان الضحية في الطرف الآخر. أما الجريمة الإلكترونية فهي ضريبة الانتشار الهائل لوسائل الاتصال وانخراط ما يزيد عن ثلاثة مليارات وثمانمائة مليون إنسان في استخدامات الإنترنت. وفي كل هذه المعادلات يبقى الإنسان هو مرتكز هذه التحديات فهو من يرتكب الجريمة وهو أيضاً من يبحث عن وسائل مواجهتها.