د. صالح بن سعد اللحيدان
أفصح: أبان
أفصح: وضح.. بتشديد (الضاد)
أفصح: بيّن بتشديد (الياء)
فصيح: بليغ ومبين بتشديد (الياء)
وإن كان بين فصيح وبليغ فارق فإنما ذلك من باب عم الاشتراك.
أفصح: أبان.. وأرشد
وأفصح على وزن أفعل (أفصح من غيره)
يقال أفصح الكلام أبان مراده، وأفصح النهار إذا وضح وعم نور الشمس الأرض.
ورأيت (الفصاحة) يراد بها حسن القول وسلامة اللفظ ودقته ووضوحة مع خلوه من التكلف والتقعر.
أقول ولقد درست حالات كثير من العلماء وحالات كثير من صناع الأدب وأهل الثقافة أثناء الكلام أو التقرير البحثي، فأجد أنهم بعد تحليل متطاول أن الكلام كل يستطيعه مافي ذلك شك ولكن الفصاحة أخالها موهبة زائدة على مجرد القول الملقى، وكلما صدق المتكلم وتحرر من رابط المجاملة فإنه هنا يسلك السبيل القويم فهو يؤثر في سامعيه حتى ولو لم يكن مقبولاً لدى البعض منهم.
فالوصول إلى الغاية من الكلام أو المحاضرة أو البحث الملقى دون خروج عنها ودون تكلف أو ترخيم للصوت تكلفاً ودون تملق أو دعوة إلى الذات وما يريد الوصول إليه، كل ذلك من الفصاحة وجودة القريحة.
وليس حديثي هنا ينصب على الكلام المكتوب الذي يلقيه صاحبه لأنه قد يكون مكتوباً له برونق وتزيين ولكن قصدي من الكلام الملقى ارتجالاً بقوة وموهبة ظاهرتين.
وقد أعتب على كثير من العلماء والمثقفين والذين يلقون الدروس العلمية في المراكز العلمية أو الهيئات العلمية أو الجوامع أن بعضهم يقرأ من كتاب ثم هو يشرح أو يقرأ من ورقة ثم هو يشرح فهو هنا لعله يقيد نفسه ويقيد الحاضرين بما لا يلزم منه ذلك.
وكذلك يفعل جملة من الأدباء والمثقفين واللغوين في المجامع العلمية والنوادي الأدبية والمراكز الثقافية.
ونقدي لهذا المسلك أن الكتاب الذي يتم شرحه أو الورقة التي يلقى من خلالها القول قد يعود إليهما المستمع في حين قريب أو في حين بعيد فيجتهد بعد لأي وجهد فيقف على غير ما استمع إليه، وإن كان ذلك العالم أو ذلك المثقف قد بذلا جهداً كبير.
لكن تقييد النفس بكتاب أو تقييدها بورقة ذلك يبعد النجعه ويلغي العقل من مكان قريب.
وقد وقفت على حالات كثيرة لكبار العلماء خلال عهود سلفت فقد كانوا يلقون العلم مشافهة لساعات طوال دون كتاب أو طرس محمول
ففي سيرة ابن فرحون والقرافي والمزي والسرخسي وابن منده وابن جماعه شيءٌ من هذا جليل، وقبل هذا وجدت البخاري كما وجدت مسلم بن الحجاج والترمذي وسواهم كثير وجدتهم في جامع (الرصافة) في بغداد وكذلك رأيت معمر بن راشد وعبدالرزاق وطاووس بن كيسان في جامع (صنعاء) وقبلهم فعل ذلك الإمام مسروق بن الأجدع أحد الأربعة الذين نقلوا عن أم المؤمنين عائشة.
وفعلها الليث بن سعد وعبدالله بن يوسف وابن لهيعه في مصر وفعلها الإمام المعروف بسعة العلم وسعة البال أمام الحرمين
وأطال في ذلك سفيان بن عيينه في مكة ومثله الحميدي -بضم الحاء- وفعلها علي بن المديني وابن أبي ذئب ومالك بن أنس في المدينة، كانا يلون الرواية والدراية بقوة فهم مع فقه النوازل مشافهة من دون كتاب.
ولست أشك أن إلقاء العلم على المنصات على طريقة الارتجال بقوة وحاضره عقلية لا حاضر قلبية هو الأصل الصواب، ولهذا نجد ميزة دون ريب نجد ميزة حرة تلقائية تولد الثقة بالنفس وقد يحفز هذا كله اللاشعور فيجره يجر العالم والمثقف والأديب خاصة في المجامع العلمية والهيئات العلمية إلى عمق النظر وتوليد الاجتهاد والسبق العلمي المتزن الشفاف النزيه.
ولعل ما أكتبه الآن يكون سبيلاً للأخذ به من كافة العلماء والمثقفين كلٌ فيما يعنيه وإنما أقول هذا لطرد التكرار ومجرد النقل وكثرة التهميش وهذا مني لعله يفتح باباً على واضبة من رأي حميد.