د. حمزة السالم
الاقتصاد من أجل السياسة أو السياسة من أجل الاقتصاد أسلوبان ناجحان من أساليب السياسيين المعاصرين. أما أن تكون سياسة من أجل السياسة فلا أعلم إلا نماذج فاشلة، على ضحالة خبرتي ومعرفتي بالسياسة.
الوحدة النقدية الأوربية مثال على استخدام الاقتصاد من أجل السياسة. فالهدف الإستراتيجي الأسمى لليورو، هو توحيد قلوب سكان أوربا المشتتة التي أهلكتها النزاعات الدموية الرهيبة لآلاف السنين. فأوربا قارة تهددها المذاهب والفرق الدينية النصرانية المتنازعة. واختلاف المذاهب في الدين الواحد، أهلها أشد كراهية لبعضهم البعض، وجراحهم أعمق حقدا من أن تبرؤ وتشفى بتقادم الزمان، بل قد تكمن حتى يأتي من يحيها من جديد. وأوربا تحمل أمجادا تاريخية قام بعضها على دك وهدم بعض فهي أمجاد متنازعة متضادة ،مثلها مثل مذاهبهم الدينية، تنتظر داعي الفتنة ليحييها من جديد. وأوربا لغاتها متفرقة متنوعة تحمل كل منها مفاخر قومية وعرقية هي شرارة إشعال نار النعرات العصبية الداعية إلى التفرق والاقتتال.
فمن أجل ذلك نادى تشرشل من منبر جامعة زيورخ في سويسرا «بالولايات المتحدة الأوربية»، وأوربا ما تزال تنزف دما بعد الحرب العالمية الثانية من آثار حروبها بين بعضها بعضا، وهي ترزح ذلا وهوانا تحت الاحتلال الأمريكي وتسلط الدب الروسي.
نداء تشرشل هو نداء سياسي من أجل السياسة ما كان له أن ينجح لولا استخدام الاقتصاد في تحقيقه، فكانت الوحدة الاقتصادية الأوربية ثم النقدية المتمثلة باليورو.
الوحدة النقدية هي من أشد عوامل تلاحم قلوب الشعوب، فالعملة في هذا الزمن الحديث المعاصر كالعلم الوطني للوطن الواحد وكراية الحرب التي ينخرط تحتها ويذود عنها مقاتلو الجيش من أبناء الوطن الواحد.
الوحدة الأوربية مثال على استخدام السياسيين الاقتصاد من أجل السياسة وأما استخدام السياسة من أجل الاقتصاد فأبرز مثال عليه هو منظمة التجارة العالمية. فقد استخدمت الدول العظمى وخاصة أمريكا السياسة من أجل تحسين الاقتصاد ورفع الإنتاجية والاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية عن طريق استغلال المزايا التنافسية المتوزعة في أنحاء العالم، فالجميع رابح.
أما السياسة من أجل السياسة فمن أمثلتها الوحدة المصرية السورية في عهد القومية الناصرية ومن أمثلتها مجلس التعاون العربي الذي جمع العراق والأردن واليمن ومصر ثم انهار سريعا باحتلال العراق للكويت، واتحادات إفريقيا وأمريكا الجنوبية. هذه الأمثلة هي شواهد على أسلوب استخدام السياسيين للسياسة من أجل السياسة، والتي مردها ولا محالة للفشل.
فلا اقتصاد بلا سياسة ولا سياسة بلا اقتصاد فهما كالمرأة والرجل بتزاوجهما يستمر العالم الإنساني، وبتزاوج الاقتصاد والسياسة في السياسات، تدوم الدول.
ويكفي شاهدا، أن الأقطاب السياسية ما هي إلا نظريات اقتصادية. فالاقتصاد هو ما تتصارع عليه الأيدولوجيات كالرأسمالية والاشتراكية.