القرار الملكي الكريم الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله يوم الثلاثاء 27 محرم 1439هـ بإنشاء مجمع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز للحديث النبوي الشريف أثلج صدور الكثير من أبناء بلادنا الغالية ومن أبناء المسلمين عامة في أرجاء المعمورة لما لهذا القرار من أهمية بالغة في حفظ السنة المطهرة ونشرها بين مسلمي العالم وباللغات المختلفة ، وهو قرار تاريخي كبير.
لاحظنا في السنوات الأخيرة هجومًا شرسًا ومتكررًا على السنة النبوية المطهرة والتشكيك في كثير من الأحاديث الصحيحة وترويج للأحاديث الموضوعة والضعيفة من جهات مشبوهة، وذلك بغرض صرف عامة الناس عن المصدر الثاني للتشريع في الإسلام، وظهر من بين هؤلاء من يسمون أنفسهم بالقرآنيين الذين يقولون أنهم يأخذون بما ورد في القرآن الكريم ويعرضون عما ورد في السنة المطهرة بحجة عدم صحتها والطعن في رواتها ومتونها.
كنت من الذين دعوا إلى إنشاء هذا المجمع قبل خمس سنوات (جريدة الجزيرة 22 جمادى الآخرة 1434هـ ص35) ونحمد الله الذي وفق خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز لإصدار هذا القرار التاريخي الهام الذي يحمل اسمه حفظه الله، ونسأل الله العلي القدير أن يجعله ذخرًا له يوم الدين ويجزل له الأجر والمثوبة .
إن صدور هذا القرار الملكي الكريم يترجم اهتمام حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز – حفظه الله – بكل ما فيه خدمة الإسلام والمسلمين في جميع أنحاء العالم، فقد دأبت حكومة المملكة على خدمة الحرمين الشريفين وتوالت توسعة الحرمين الشريفين، وأنشأت مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف والذي طبع ملايين النسخ من القرآن الكريم وترجمت معانيه لعشرات من لغات العالم، وأنشأت العديد من المساجد والمراكز الإسلامية والمعاهد العلمية في العديد من دول العالم، وأنشأت إذاعة القرآن الكريم ونداء الإسلام وقناة تلفزيون القرآن الكريم وقناة السنة النبوية.
أشار القرار الملكي الكريم الى الدور الذي يتوجب على المجمع القيام به لخدمة الحديث النبوي الشريف وعلومه جمعًا وتصنيفًا وتحقيقًا ودراسةً ، كما اشتمل القرار الملكي الكريم على أن يكون للمجمع مجلس علمي من علماء الحديث في العالم ويعين معالي الشيخ محمد حسن آل الشيخ رئيسًا للمجلس العلمي .
ومضمون القرار جمع وتصنيف الحديث النبوي وتحقيقه ودراسته بإشراف المجلس العلمي وبمشاركة علماء الحديث من جميع أنحاء العالم مما يجعل للمجمع قبولاً كبيرًا في دول العالم الاسلامي حيث أنه سيكون في أرض الحرمين الشريفين بالمدينة المنورة وبمشاركة علماء أجلاء في علم الحديث من جميع أنحاء العالم . ويرأس المجلس العلمي معالي الشيخ محمد حسن آل الشيخ وهو عالم جليل شغل عضوًا بهيئة التدريس بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لعشر سنوات ثم عضوًا في هيئة كبار العلماء وعضوًا باللجنة الدائمة للإفتاء.
ويتوقع أن يقوم المجمع إن شاء الله تعالى بدور رائد في تحقيق وطباعة كتب السنة باللغات العالمية كما قام مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، كما يتوقع أن يقوم بدور كبير في جمع المخطوطات في مجال السنة المطهرة، وسيكون إن شاء الله له دور كبير في أن يكون مؤسسة علمية ومرجعية عالمية تعنى بكل ما يخدم الحديث النبوي الشريف.
إن من أهم دعائم نجاح المجمع هو الاختيار الدقيق لأعضاء المجلس العلمي الذي أشار إليه القرار الملكي الكريم أن يكون عالميًا، كما أن من دعائم نجاح المجمع للقيام بمهامه التي أشار إليها القرار السامي الكريم أن يكون لمعالي رئيس المجلس العلمي هيئة استشارية من علماء الحديث من جامعات المملكة تسانده في مهامه العديدة وخاصة في المرحلة التأسيسية للمجمع، وبحمد الله تزخر جامعات المملكة بالعديد من علماء الحديث؛ فالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة لديها كلية الحديث وجامعة طيبة لديها قسم الدراسات الإسلامية بكلية الآداب به العديد من الأساتذة في علم الحديث وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لديها عدد كبير من الأساتذة في علم الحديث وكذا لدى الكثير من الجامعات السعودية ، كما أن من أهم دعائم النجاح للمجمع هو تحديد منهج عمله وبرامجه تحديدًا علميًا تتحقق به الشمولية وذلك من خلال رسم استراتيجية واضحة لنظام عمله توضح فيه رؤية ورسالة المجمع والأهداف والوسائل في ضوء القرار الملكي الكريم، وقد يكون ذلك من خلال الهيئة الاستشارية المقترحة أو من خلال عقد ورشة عمل يشارك فيها نخبة من علماء الحديث بجامعات المملكة وخبراء في رسم الإستراتيجيات.
نبارك لكل من أسعدهم صدور هذا القرار الملكي الكريم ونخص بالذكر كل من ساهم ليرى هذا المشروع الهام النور، وأخص بالذكر صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة المدينة المنورة المهتم كثيرًا بالمشروع ويوليه أهمية بالغة ولمعالي وزير الشؤون الاسلامية الشيخ الدكتور صالح آل الشيخ الذي رفع للمقام السامي الكريم الدراسة والتوصية بإنشاء المجمع.
وفي الختام أسأل الله العلي القدير أن يوفق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز لكل خير ولكل ما يخدم الإسلام والمسلمين في جميع أنحاء العالم كما أسأله تعالى أن يديم على بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية الأمن والاستقرار وأن يدحر أعداءها والمتربصين بها وأن يديمها ذخرًا للإسلام والمسلمين.
كما أسأله تعالى أن يوفق القائمين على المجمع لتحقيق رؤية وطموح خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في أن يكون هذا المجمع مصدر إشعاع عالمي لخدمة السنة النبوية المطهرة، وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين.