كنت في رحلة (ربيعية) في صحارينا المترامية الأطراف في ربيع السنة الماضية.. سرت عبر الوهاد والكثبان.. كثبان تتلوها كثبان.. وبيد دونها بيد.. وقمم جبال شامخة ووديان مترعة بالخضرة والزهور، وشعاب تتجه يمينًا ويسارًا.. شمس ساطعة كالفضة ورمال تتلألأ كحبات الذهب، قطعان من الإبل بألوانها الزاهية تزيد اللوحة جمالاً وبهاءً.. قطعان من الإبل الحمر تتلوها العفر والمجاهيم..وهناك يسير قطار من الإبل الشعل تتراقص خلفه شجيرات الأرطي والرمث.. ببساط عسجدي أخضر من الربيع الزاهي الموشى بزهور الأقحوان والخزامى..!! سرت وسرت في أراضٍ منبسطة صحراء بعدها صحراء تخلو من أي مظهر للحياة سوى شجيرات تتراقص خلف السراب من بعيد بقيت صامدة أمام عوامل التصحر.. تراءت لي من بعد أرض خضراء كثيفة الشجيرات وقد نمت فيه بعض الأشجار الطويلة تم حياكتها بساتر ترابي كمحمية طبيعية.. هنا تساءلت يا ترى هل المطر ينزل على هذه المحمية فقط حتى تنمو أشجارها وتخضر صحراؤها؟ منذ سنين عددًا ينزل المطر مدرارًا متواليًا وفي فترة الوسم التي ينبت فيها العشب وتخضر الصحراء بعد الصيف اللاهب ويأتي فصل الربيع والناس يتوقعون أن تنقلب الصحاري المجدبة إلى جنات خضراء ولكنهم لا يرون إلا هباءً وغبارًا وينتهي فصل الربيع فلا ربيع ولا جنان.. والسبب واضح وهو فساد البيئة بأيدي الناس فلم يتركوا شبرًا من البر والبحر إلا وأفسدوه {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أيدي النَّاسِ...} (الآية) والعبث الذي نراه في البراري من رمي مخلفات البلاستيك والنفايات وتدمير الغطاء النباتي بالرعي الجائر والتطعيس الذي دمر كل شبر وكل زاوية هو لا شك مما كسبت أيدي الناس من جور وإسراف.. ولا يمكن القضاء على هذا السلوك الجنوني للتدمير إلا بالتربية، وتعليم الطالب كيفية الحفاظ على بيئته التي هي محيط معيشته ومنها الصحراء والغطاء النباتي، ومن هنا فإن لدي اقتراح أسوقه لوزارتين مهمتين من وزاراتنا (وزارة التعليم ووزارة الزراعة والبيئة والمياه) بتبني برنامج (بيئي تربوي) للحفاظ على بيئتنا وبناء فكر الإنسان نحو الحفاظ على البيئة وفي حالة تطبيق هذا البرنامج بدقة فسنختصر عشرات البرامج التي تهدف للاحتفاظ على بيئتنا الجميلة ولصار لدينا غابات وغطاء نباتي أخضر يغطي كامل مساحة بلادنا ولصار لدينا جيل واع تنعدم لديه التصرفات العدوانية نحو التدمير والإفساد، هذا البرنامج ينلق بهذا المقترح الذي يتمثل في الخطوات الآتية:
2.5 مليون طالب يزرعون 50 مليون شجرة بمساحة 5000 كيلومتر مربع وخلال 10 سنوات 500 مليون شجرة!!
تتمثل الرؤية بقيام طلاب التعليم العام البالغ عددهم أكثر من 2.5 مليون بالقيام بمشروع تربوي عملي على الطبيعة يغرس في نفوسهم حب البيئة قبل أن يقوموا بغرس الأشجار، وهذا الاقتراح يهدف إلى القيام بعمل جماعي ضخم يقوم به عدد كبير من الطلاب يكون منهم مجتمع يحافظ على البيئة وينشر ثقافة الاخضرار فهم نواة المجتمع وإذا غرست فيهم هذه القيم حصلنا على وطن أخضر برجاله قبل صحارية، وصار حب العمل والاعتماد على النفس عندهم عادة وجبلة تغنى عن آلاف الأيدي العاملة التي تستقدم لأعمال تافهة وبسيطة، وهذا المشروع يتمثل في قيام كل طالب بغرس 10 أشجار في الفصل الدراسي الأول و10 أشجار في الفصل الدراسي الثاني الأولى في فصل الخريف والثانية في فصل الربيع وذلك في الصحاري المحيطة بالمدن وبموقع يتفق عليه بين وزارة البيئة والزراعة والمياه ووزارة التعليم ليصبح ميدانًا تعليميًا يعلم الطلاب زراعة الأشجار خطوة خطوة وخصوصًا طلاب الصف الأول الابتدائي ويكون ذلك في حصة (العلوم) ولو فرضنا طالبًا في الصف الأول الابتدائي غرس الأشجار في بداية تعليمه العام فبعد 12 سنة سيرى الأشجار التي غرسها وقد كبرت وهذا ينمي في نفسه حب البناء والإنتاج ويمكن أن يسمى الموقع الذي يغرس فيه الأشجار باسمه في متنزه كبير يشمل كل ما يغرسه الطلاب من أشجار يصبح غابة ظليلة، واقترح لإطلاق هذا البرنامج ما يلي:
1 - تقوم وزارة البيئة والزراعة والمياه بتحديد (مناطق) محمية بسياجات يمنع فيها الرعي لفترة تحدد حسب فترة نمو الأشجار وعلوها عن متناول الجمال، وتحدد هذه المناطق في كل مناطق المملكة الصحراوية للزراعة فيها ويتم حمايتها لعدد من السنوات حتى تنمو الأشجار ثم تفتح للتنزه والرعي حيث إن الجمال تقوم بتقليم طبيعي للأشجار الشوكية.
2 - نظرًا لوجود مشاتل تابعة لوزارة الزراعة والبيئة والمياه في كل مناطق المملكة تقوم هذه المشاتل بتكثيف شتل الأشجار الصحراوية (كالسدر، والسلم، والنيم) بعدد لا يقل عن 50 مليون شتلة، وفي المدن التي لا يوجد بها مشاتل تابعة لوزارة الزراعة والبيئة والمياه تقوم بتأمين هذه الشتلات مشاتل البلديات وليس شرطًا أن تكون الزراعة بشتلات بل بالبذور التي توضع قبل موسم الأمطار بفترة قصيرة ويمكن سقيها بماء قليل فقط والبذور أسهل بكثير من (الشتل بالمشاتل والحفر بالموقع والغرس والسقي)!!
3 - يتم تنفيذ برنامج (تعليمي بيئي) مشترك بين وزارتي البيئة والزراعة والمياه ووزارة التعليم لقيام الطلاب بغرس الشتلات في المشاتل (10 شتلات لكل طالب) وذلك في المواقع المحيطة بالمدن ويتم هذا البرنامج على مدار شهر كامل من كل فصل دراسي (خريف وربيع) ويتم تجهيز الشتلات ويحملها الطلاب معهم إلى مواقع الغرس بحافلة المدرسة مع المياه اللازمة لسقي الشتلات مع ضرورة استخدام تقنيات تقليل استخدام المياه بترطيب التربة والجذور قبل الغرس وغرس الأشجار المناسبة لكل موقع ومراعاة أن يكون الغرس بعد سقوط مياه الأمطار مباشرة حتى لا تحتاج الأشجار لسقي أو في اليوم السابق لليوم المتوقع سقوط الأمطار فيه.
وبهذا سيتم زراعة ما مجموعه 50 مليون شجرة صحراوية سنويًا في كل مناطقنا الصحراوية وبمساحة نحو 500.000 هكتار (إذا كانت المسافة بين كل شجرة التي تليها10م) وهذه تعادل 5000 كيلومتر مربع وإذا قسمنا هذه المساحة على مناطق المملكة لصار نصيب كل منطقة نحو (380كم مربع) وتختلف المساحة بين كل منطقة وأخرى حسب عدد الطلاب وصحراوية المنطقة ولا شك أن هذه المساحات هي مساحات كبيرة ويتم تكرار التجربة سنويًا حتى نصل إلى تغطية جميع صحاري المملكة وتكثيف الغطاء النباتي عليه، وتشكر وزارة البيئة والزراعة والمياه لتبني برنامج زراعة 250 ألف شجرة وهو بداية رائعة توحي بوجود خطط مدروسة للقضاء على التصحر.. مناحل وعسل من الأشجار الصحراوية بـ50 مليار ريال سنويًا!!
ومن ناحية بيئية وغذائية فإن عسل السدر والطلح والسلم من أجود الأنواع عالميًا وبالتالي يمكن استثمار موسم الإزهار لهذه الشجيرات بإطلاق مشروع ضخم من قبل وزارة البيئة والزراعة والمياه والقطاع الخاص لتوطين إنتاج العسل الذي ينتج سنويًا نحو 1500 طن ويمكن زيادته إلى آلاف الأطنان والوصول إلى الاكتفاء الذاتي وتصدير العسل المتميز في صحارينا البعيدة عن الرطوبة والتلوث لأنحاء العالم ليكون أحد مصادر تنوع مصادر الدخل وربما لن يقل عن 50 مليار ريال سنويًا وبهذا نكسب ثلاثة أشياء (غرس مفاهيم الحفاظ على البيئة بأبناء وطننا، والقضاء على التصحر، وتنويع مصادر الدخل بتصدير العسل) والله الموفق.