د. خيرية السقاف
يخوضون في كل موضوع, ويُكثرون من الآراء, والتأويل, وإن كانوا بلا زاد..
يصوغون مواقفهم من أي مستجد, وإن كان ردم مستنقع, أو إزالة حجارة, أو إقامة عماد!!..
وهم في الوقت ذاته شركاء في المخبوء, والظاهر, والمتواري!!..
تجدهم الآن يُعملون معاولهم حيث تتجه الريح, ويشجون بفؤوسهم كل جبهة في الطريق, مع أنهم شركاء..
هؤلاء «الثرثارون» مذ تفتح الشمس عينها الوسيعة, وحتى يرمي الليل عباءته السميكة, يذرون رذاذ أصواتهم في الوجوه..
مع أن منهم في مجال ما يخوضون يعملون, أو إليه ينتمون..
الثرثارون الذين يصبِّحوننا, ويمسُّوننا بلغطهم في كل موضوع, وبدس أنوفهم في أي حساء, وبأخذ مقاعد عند أي طاولة, وبلقط ما طاب لأنفسهم, وبكشح ما التهب في وجوه الآخرين..
هؤلاء عبء على المرحلة..
إذ حتى الشأن السياسي الذي لا يلمُّون بعلومه, وأموره, وحتى الشأن الديني الذي لم يستقوا من نبعه الزلال, وبقية الشؤون ذات الخصائص غير المُدركة إلا لذوي الاختصاص يُـقحمون أنفسهم في مطبخها, ويزجون ألسنتهم في بوتقتها, ويتلقفونها لقمة سائغة لأقلامهم الخاطفة, بما في صدورهم المزدحمة, وقلوبهم المنتقية, وهم يصكون أسماعنا بضجيجهم..
المثير للعجب في الزمن الغرائبي هذا الذي تشكل هذه الكثرة من الجهلاء ملامحه, أن تتسع لهم المساحات, وتشرع لهم مضامير الريح لعجاجهم الذي يضفي دكنه على الصدق, والرغبة في التطهير, والعمل للتنوير هذا الذي تدور به عجلة التصحيح في محيط الحياة من حولهم, وحولنا..
فإلام يمر الوقت بهم ويدركون أن عليهم أن يتطهروا في أعمالهم أنفسهم, وأن يصححوا أخطاءهم ذواتهم, وأن يتعرفوا قصورهم الفردي ويتمموا نقصهم, وأن يكونوا محاريث بناء لا معاول هدم..؟
أوَ ليس الإنسان مسؤولاً عن نفسه أولاً..؟
أجل,{بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ. وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ}..
أفلا تصبح هذه القاعدة السلوكية الربانية أساسًا لكل من يقول ما لا يفعل, وينتقد وهو ملبَّس بما يتمادى ؟!!