سام الغُباري
من مِنا لم يتعرض للانشطار إلى نصفين أو ثلاثة، الدولة انشطرت، والبرلمان انقسم، والحكومة صارت اثنتين واحدة انقلابية والأخرى شرعية، الجيش تمزَّق إلى أعشار، والبلد صار هاويًا للأقاليم التي يزعم المتطرفون أنها حدود جغرافية تنأى بأهلها عن أهلنا، حتى العائلة تشظَّت، أبي محايد، وأخي مع عفاش، وأنا مع هادي، وابن عمي مع الحوثيين عاملاً وعميلاً.
- لا أحد يستطيع القول دون ذلك، ولا أحد يستطيع غسل يديه من الخطيئة الحوثية حتى بابتسامة رضا أطلقها في جوفه على حطام منزل الشيخ الأحمر، أو في دماج أو حتى أولئك البرلمانيون الذين اختانوا أنفسهم في الحروب الست طمعًا في لعبة الثروة والسلطة. الخونة في كل سطح، خيانة القيم الجمهورية كرد فعل غاضب من منصب أو حظوة، كل ذلك أورث الفراغ الذي حاول الحوثيون اغتصابه بعنف، وعلى حطام السفينة انقسم المستهدفون إلى فرق ومناحل شتى.
قال لي السفير الدكتور ياسين سعيد نعمان إنه كتب مقاله الأخير ورأسه يفكر فيّ، وقال أيضًا إنه لم يظلم المؤتمر الشعبي العام في شيء، لكنه - على الأقل - حرّك المياه الراكدة، وتلك إيجابية تستدعي النقاش ولا توغل في إثم الخطايا السابقة، فجميعنا شاركنا في صلب اليمن، ثم جئنا اليوم لننحو باللائمة على بعضنا، كتلك القصص الخرقاء التي يقولها «بعض» الناشطين في معرض نقدهم لكتاباتي على أني من بقايا النظام السابق . يقولون ذلك ولا يستحون!
لقد تمرّغنا في الوحل، كلٌ بمدى قدرته، كنت أتلذذ في الإصلاحيين نكاية في ربيع 2011م، حتى «علي عبدالله صالح» ذلك الرجل الذي أحببته ذات يوم ببراءة هالني ما فعل بعد أن كشفت حقيقته، رأيته حوثيًا، شاهدت أنيابه ومخالبه في آخر لقاء جمعني به، وأولئك الكبار الذين توسلوا «عبدالملك الحوثي» هربوا بخطيئتهم للتكفير عن سيئاتهم، وفي طريق الإقلاع عن الذنب، تابوا عن كل شيء إلا المال، بريقه الشيطاني يخطف أبصار بصيرتهم ويدفعهم إلى هاوية المصالح والمنافع وتوريث العيال كلٌ بحسب وزارته وشؤونه.. ومرة أخرى تخلينا عن القيم التي صنعت جمهوريتنا العظيمة .
- إن استعادة التعددية السياسية أساس وثيق لتخطي المعضلة الحربية والحزبية الطاحنة، تلك القيمة الذهبية التي دار عليها محمد عبدالملك المتوكل وحسن زيد ويحيى الشامي وزيد الذاري وغيرهم من أعداء النظام الجمهوري للإطاحة بالهوية اليمنية، وفي لحظة ما كان «ياسين سعيد نعمان» يكتب عن «العبور» غاضبًا من سيطرة «آزال» على العاصمة ورئاسة الأحزاب الكبرى، ولأجل ذلك كان الكثير من منظري المحيط الجغرافي الجنوبي والشرقي في اليمن يعتقدون أن «الحوثي» هو الحوت الذي سيبتلع رجالات آزال، ويتركهم لشؤونهم وطموحهم!
- تلك معضلة جغرافية ونفسية يتعصب لها طوق العاصمة صنعاء «قبائل وساسة وعسكريون»، لقد خلقوا هكذا، مثلما ترى الضالع وأبين أن لها حقاً في عدن، حق الغلبة، وحق الرغبة في امتلاك الثروة التي سيطر عليها أهل «سنحان» طويلاً.. في هذه المعركة يبرز «علي محسن» كاستثناء جمهوري من سنحان، و»بن دغر» كوريث عاقل لجغرافيا حضرموت وباعتباره الرجل الجنوبي الذي يفقه معنى الإمامة التاريخية وخطرها في الشمال اليمني وتبعاتها على الجنوب الذي لن يستطيع العودة إلى ما قبل العام 90م، ومن أمامهما يقف «هادي» الرجل الذي هزم ياسين سعيد نعمان وحزبه في حرب صيف العام 1994م.
لقد أخطأنا بإقصاء وتدمير الحزب الاشتراكي على قرار الانفصال، وأخطأنا أيضاً بتمزيق الناصريين عقب انقلاب 79م، وتمادينا ونحن نبتعد عن هوية التعددية السياسية في ربيع 2011م، انتجت الفوضى هذه الصبغة المتوحشة، سمحنا للحوثيين في إثارة الفتنة ظنًا أن السلطة لن تعود إلا بزوال جبال الجليد، بعث الحوثيون غازات الفتنة، فثُقِب الأوزون وجاء الاحتباس الحراري ومن بعده ذابت جبال الجليد وانطلق الطوفان يُحطِم بيوتهم وبيوتنا ويغشى عيالهم وعيالنا.
يجب أن ننتشل الاشتراكيين من وحل الحراك، ونقصي الإصلاحيين عن جماعة الإخوان القبليين، وننقذ المؤتمر من مستنقع الحوثيين ومن عفاش، ونستعيد الناصريين من الوهم، ونسترد جمهوريتنا واقتصادنا الذي يتهاوى، وضميرنا الذي جفل، واحلامنا التي وأدت، وتعدديتنا السياسية وأحزابنا، ووحدتنا، وقوميتنا اليمنية، يجب أن نفكر جيدًا بحكمة «ذي القرني لا الإيرانيين»، وأن البحر الذي يتهادى في زرقته الفاتنة بحرٌ ميت، ليس فيه سوى الوحل، والموت والغرق.
.. وإلى لقاء يتجدد.