د. أحمد الفراج
ربما أن أكثر سؤال يردني من القراء هو السؤال التالي: «إذا كانت أمريكا دولة مؤسسات كما تقول وتكتب، فكيف حرف الرئيس السابق، باراك أوباما، سياستها تجاه الشرق الأوسط، وذلك عندما انجرف تجاه إيران، على حساب حلف أمريكا الوثيق والتاريخي مع المملكة، ثم أعاد مسارها الرئيس الحالي، دونالد ترمب؟! وهذا سؤال منطقي، ولذا يحتاج إلى تفصيل.
نعم، أمريكا كانت ولا تزال دولة مؤسسات، وإيران، في نظر كل الإدارات المتعاقبة، منذ عام 1979، خصم تاريخي لها، ويشمل ذلك عهد أوباما، ولكن لكل رئيس، أو بالأصح، لكل إدارة رؤيتها فيما يتعلّق بالسياسات تجاه أي ملف، فمثلما أن إدارتي بوش الأب والابن، ولاحقاً إدارة ترمب اعتمدت السياسات الخشنة تجاه إيران، فإن أوباما اعتمد السياسة الناعمة، وهذا متوقّع من رئيس ديمقراطي يساري، علاوة على أن أوباما رئيس مثقف، والسياسي المثقف يعتمد على النظريات، ويتجاهل الواقع المعيش، وبالتالي فقد اعتقد أنه يستطيع احتواء إيران، من خلال الاتفاق النووي، وقد شجعه على ذلك حرصه على أن يكون له إرث تاريخي، وإنجاز الاتفاق كان أمله الوحيد، بعد فشل مشروع الثورات العربية، الذي دعمته إدارته، وموقفه الناعم من نظام الأسد في سوريا.
ما سبق يعني أن سياسات أمريكا تجاه إيران واحدة، أي أنها ليست دولة صديقة، والفرق هو في كيفية التعامل مع هذه الحقيقية، سواء من خلال السياسات الخشنة (بوش وترمب)، أو الناعمة (أوباما)، وقد كان أوباما يؤكد، خلال مفاوضات الاتفاق النووي، وحتى بعدها، على أن كل الخيارات تجاه إيران مطروحة، ولم يقل يوماً إنها دولة صديقة، أو قد تصبح كذلك مستقبلاً، وهذا ما نعنيه عندما نقول إن أمريكا دولة مؤسسات، ومن الممكن أن يدحض ادعاءاتنا أي أحد، ويقول إنها ليست دولة مؤسسات، لو أن أوباما أعاد تطبيع العلاقات وتبادل السفراء مع إيران، على سبيل المثال!.
من خلال هذا الإطار، نستطيع أن نتفهم علاقة أمريكا الوثيقة مع المملكة حالياً، في عهد الرئيس ترمب، وهو قرار مؤسساتي، وليس، ولا يمكن أن يكون، قراراً شخصياً من ترمب، كما يروّج خصوم المملكة من إسلامويين وقومجيين ومن لف لفهم، فالمملكة رقم صعب ومهم، وحجر الزاوية في سياسات أمريكا تجاه الشرق الأوسط، أما عن اختلاف الرؤية بين ترمب وبعض أركان إدارته، بخصوص بعض السياسات السعودية، فهذا أمر طبيعي في الإدارات الأمريكية، فهناك ساسة ديمقراطيون كبار كان لهم موقف مناهض لسياسات أوباما الناعمة تجاه إيران، ومع ذلك تم إنجاز الاتفاق النووي، والخلاصة هي أن أمريكا دولة مؤسسات، ولكن لكل رئيس طريقته الخاصة في التعاطي مع الملفات المختلفة، بما لا يتعارض مع الخط المؤسساتي العام!