د. محمد عبدالله العوين
لبنان كان محتلا من فرنسا ثلاثة وعشرين عاما 1920- 1943م ولكنها حين خرجت لم يتحرر لبنان من محتلين جدد، وكل محتل يسلم العهدة إلى وارث جديد، فبعد خلافات طويلة أدت إلى حرب أهلية استمرت خمسة عشر عاما 1975- 1989م بين جميع الطوائف وبدعم كل الدول المتصارعة على النفوذ في لبنان تمكنت سوريا من الدخول إلى لبنان عام 1976م بحجة إخراج إسرائيل، ومارست سرايا الدفاع السورية كل أشكال القمع والاستبداد والاغتيالات لأبرز قادة وعلماء ومثقفي لبنان ممن قاوموا ممارساته الدكتاتورية، وبعد ثورة الخميني كان النظام السوري بقيادة حافظ أسد المنفذ الأمين لخطط الصفويين الجدد فساعد على إنشاء حزب لبناني طائفي متطرف منتم جملة وتفصيلا إلى نظام ولاية الفقيه في إيران وأطلق عليه اسما دينيا كاذبا «حزب الله» رغبة في استجلاب الأنصار والمغفلين الذين يخدعون بالشعارات الدينية الرنانة، وهكذا تمت تهيئة هذا الحزب الفارسي ليكون اليد الطويلة لإيران الصفوية للهيمنة على منطقة الشام والتمدد في المنطقة العربية، وبعد طرد الجيش السوري من لبنان 2005م بعد عشرين عاما من الاستبداد والفساد المطلق أوكل مهمة الحفاظ على الهيمنة الإيرانية على لبنان إلى «حزب الله» الذي درب وهيئ ومول بالسلاح والمصادر المالية ليكون الحاكم الفعلي.
لبنان عاش مرارة عدم الاستقرار ولم ينعم بالحرية؛ فمن الاحتلال الفرنسي، إلى الحرب الأهلية، إلى الاحتلال السوري، ثم الاحتلال الإيراني عن طريق «حزب الله» والمتحدث باسمه العميل «حسن نصر الله».
«لبنان المحتل» عبارة تختصر أزمته طوال قرن من الزمان.
والمؤسف أن بعض أبنائه وطوائفه هم من يمنحون الأجنبي الغازي فرصة الهيمنة على بلدهم؛ طمعا في مغنم أو سعيا لمكسب مالي أو سياسي أو طائفي.
في لبنان شرفاء ووطنيون مخلصون، وفي لبنان طاقات فكرية وثقافية واقتصادية، وفي لبنان ذوق وفن وإبداع، وفي الشخصية اللبنانية على العموم صفات تؤهل اللبناني للتميز وللتفوق في مجالات التجارة والفن والإعلام والجمال بأنواعه من ديكور وتصميم وأزياء ومعمار وأناقة؛ لكن فئة ليست قليلة من سياسي لبنان اندفعت خلف مكاسبها الشخصية وهواها الطائفي ومنحت الأجنبي التحكم بمقدرات لبنان وشعبه.
وإلا كيف يمكن أن نفسر سلوك «عون» الرئيس الحالي للبنان الذي كان يرفض الوجود السوري، ودخل مع الجيش السوري في حروب، ورفض مخرجات اتفاق الطائف عام 1989م بحجة أنه يمكن السوريين من لبنان حتى أرغمه السوريون بعد اقتحام قصر بعبدا 1990م حين كان يرأس حكومة عسكرية مؤقتة على اللجوء إلى السفارة الفرنسية ثم الهرب إلى فرنسا والإقامة فيها خمسة عشر عاما.
ما الذي دفع ميشيل عون بعد كل اللاءات التي كان متمرسا بها ضد الهيمنة السورية وفي سياقها بطبيعة الحلال ما يقترفه «حزب الله» من جرائم على الأرض اللبنانية إلى التصالح والتوافق مع سوريا وحزب الله فجأة بعد عودته من منفاه الفرنسي 2005م؟!
لن نجد إلا تفسيرا واحدا مقنعا أمام هذا التحول الخطير في موقف عون من أعدائه الألداء السابقين سوريا وحزب الله وإيران ليكونوا بعد عام 2006م أخلص الأصدقاء؛ وهو الوصول إلى «كرسي الرئاسة» في قصر بعبدا حتى لو كان على حساب أمن واستقرار وتقدم ورخاء لبنان وشعبه.
كيف لجنرال متمرس ينتمي إلى ثقافة أقرب ما تكون إلى الانفتاح على الفرانكفونية العلمانية الفرنسية أن يقبل بتسليم مقدرات بلده المكون من طوائف متعددة إسلامية ومسيحية إلى دولة أجنبية كهنوتية تختلف مع بلاده فكرا وثقافة ولغة؛ وهي «إيران» على يد ممثلها حسن نصر الله المؤمن بخرافة «صاحب الزمان» والولي الفقيه ؟!
كيف يرضى «رئيس» لبنان الصوري بأن يكون بجانبه «رئيس» فعلي آخر هو حسن نصر الله؟
ثم كيف يرضى أن يكون في لبنان وزارتا دفاع وخارجية؟! فجيش «حزب الله» أقوى من الجيش اللبناني ، ولسان «نصر الله» أعلى من صوت وزير خارجية لبنان.
إنه لبنان المحتل!