فضل بن سعد البوعينين
لم يكن الموقف السعودي المتخذ تجاه لبنان؛ على خلفية هيمنة حزب الله على قراره ومقدراته؛ الأول ولن يكون الأخير طالما سُمِح للحزب بدعم وتمويل الإرهاب وتنفيذ أجندة إيران في الدول العربية؛ وفي مقدمها دول الخليج. راهن اللبنانيون كثيرًا على صبر وسماحة المملكة؛ وتغاضيها عن جرائم حزب الله في المنطقة العربية؛ وتوفيره منصة إيواء وتدريب وتمويل ودعم للخلايا الإرهابية في الخليج؛ وفي مقدمها السعودية والبحرين؛ رأفة بلبنان وحماية لأمنه ووحدته ومقدراته الاقتصادية.
لم تعد سياسة التسامح وغض النظر ناجعة مع ما يصدر من حزب الله من تهديد لأمن واستقرار المنطقة؛ وانخراطه المباشر في تجنيد الإرهابيين وتدريبهم وتشكيل الخلايا النائمة وتمويلها في القطيف والبحرين والكويت؛ إضافة إلى دعم وتمويل جماعة الحوثي؛ ومدها بالأسلحة النوعية؛ ومنها الصاروخ الباليستي الذي أطلق الأسبوع الماضي تجاه الرياض.
لم يعد مقبولاً الفصل بين حزب الله ومخرجاته القذرة؛ ولبنان الدولة والشعب؛ فلولا الغطاء السياسي والاحتضان الرئاسي؛ والقبول الشعبي؛ لما استطاع حزب الله الاحتفاظ بسلاحه؛ وتشكيله ميليشيا مستقلة تسيطر على مفاصل رئاسة الدولة والبرلمان والحكومة؛ وتحوله من حزب لبناني إلى حزب يمثل النظام الإيراني في مؤسسات الدولة؛ وينفذ إستراتيجياتها التخريبية في المنطقة.
على لبنان الاختيار بين أشقائه في المنطقة؛ أو إيران وحزب الله؛ وهو الاختيار بين الأمن والإعمار والتنمية وبين الدمار.
عملت المملكة منذ إنجازها «اتفاق الطائف» ووقف الحرب الأهلية التي استمرت ما يقرب من 15 عامًا؛ على توفير كافة السبل الضامنة لتنفيذ «وثيقة الوفاق الوطني» والانتقال بلبنان من حالة الحرب المدمرة إلى حالة السلم الوطني؛ والبناء والتنمية؛ فكانت الممول الأكبر لبرامج إعادة الإعمار؛ والداعمة لأمن واستقرار لبنان ووحدته؛ ورفاهية شعبه. لم تتوافق سياسة السلم الوطني والتنمية والبناء مع أهداف إيران في المنطقة؛ فاستثمرت حزب الله لضرب الاتفاق وإشعال الفتن والعودة بلبنان إلى المربع الأول. لم يكن حزب الله قادرًا على تنفيذ سياسته والأجندة الإيرانية لولا الدعم الذي وجده من بعض الأحزاب اللبنانية المتنافسة؛ ما أسهم في سيطرته على البرلمان وتأثيره على الرئاسة والحكومة؛ وإذا ما أضفنا إلى ذلك قدراته الإرهابية يصبح الأمر أكثر تأثيرًا وتعقيدًا؛ ما دفع السعودية لتوجيه رسالة أخيرة إلى لبنان للاختيار بين حزب الله وأجندته المدمرة؛ أو الدول الشقيقة الساعية إلى تكريس الأمن والإعمار والبناء والتنمية.
لا نتحدث عن وعود مستقبلية؛ بل جردة حساب تاريخية يمكن أن تظهر الدول الداعمة لإعمار لبنان؛ والدولة المتسببة في دماره ومعاناة شعبه. قدمت السعودية خلال 25 عامًا ما يقرب من 80 مليار دولار؛ أسهمت في إعادة الإعمار واستكمال البنى التحتية؛ ودعم البنك المركزي والليرة اللبنانية. وحرصت الحكومة السعودية على توقيع اتفاقيات تفضيلية داعمة للاقتصاد اللبناني وتوفير فرص عمل في المملكة تسهم في تحويل ما يقرب من 4.5 مليار دولار سنويًا إلى لبنان. تشكل المملكة سوقًا مهمة للصادرات اللبنانية؛ في الوقت الذي تشكل فيه لبنان وجهة سياحية مفضلة للسعوديين ما يسهم في تنشيط القطاع السياحي ومساهمته في الاقتصاد. لم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، بل أسهمت المملكة في تمويل صفقات سلاح للجيش اللبناني لدعم قدراته وتمكينه من حماية الدولة. وفي المقابل سعت إيران من خلال حزب الله إلى إشعال حروب عبثية مع إسرائيل تسببت في تدمير لبنان وإضعاف قدراته الاقتصادية؛ إضافة إلى جرائم الحزب الإرهابية؛ وانخراطه في عمليات غسل أموال منظمة وتجارة المخدرات حول العالم ما تسبب في إدراج لبنان على قائمة الدول الأكثر خطورة في التعاملات المالية.
يقف لبنان اليوم على مفترق طرق بين الإعمار السعودي أو الدمار الإيراني. اتخذت الحكومة السعودية قرارها وحزمت أمرها وواجهت العالم بسياستها المستقبلية؛ فلا مجال للمناطق الرمادية. لن تقبل المملكة علاقة مع دولة تأوي منظمة إرهابية تتآمر على أمنها واستقرارها. فإما نبذ الإرهاب وقمع حزب الله وتقليم أظافره؛ وإما فراق بائن مع الشقيق لبنان؛ وحزمة من القرارات الاقتصادية والسياسية المؤلمة.