عماد المديفر
مما كشفته مذكرات الإرهابي الإخواني الهالك أسامة بن لادن في أبوت أباد إبّان ذروة ثورات ما يسمى بـ»الربيع العربي» في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين أنه كان حريصاً على تمسك «الثوار» الخارجين عن الأنظمة في بلدانهم بـ»السلمية» والتنسيق والترتيب المسبق، و»عدم التهور والاستعجال» وهو الأمر الذي يراه -من وجهة نظره- أصاب الثورة في ليبيا، ما تسبب - بحسبه- إلى ردة فعل عنيفة ضدهم وسفك الدماء! وأن الأمر كان يتطلب مزيداً من «تسخين الأجواء» قبل الخروج في التظاهرات.. وأن يأخذ «الإخوان في السعودية» العبرة من ذلك.. فالوضع في السعودية بحسبه «يأخذ جهداً مطلوباً لتسخين الأجواء»! وأنه لا يريد الظهور بخطاب علني يعلن فيه دعم الثوار في تلك الدول لأنه لا يريد أن «يُستغل» خطابه وخطاب القاعدة في «التحريض على الثورات وبالتالي إفسادها»!! أي أنه لا يريد ربط صورة تنظيم «القاعدة» وأعماله الإرهابية بهذه الثورات كي تنجح!! ما يعني أنه بالمقابل يعي تماماً كيف ومتى يسعى لربط القاعدة بمن يريد وقت ما يريد وبالشكل الذي يخدم أهدافه النهائية.. وقد كرر وجهة نظره هذه في أكثر من مرة.. يقول في أحدها مثلاً «ظهورنا سيسبب مشكلاً حرجاً» ويقول: «دخولي في هذا الوضع له انعكاس سلبي»!!..
قد يبدو ذلك غريباً للوهلة الأولى لمن لا يعرف أن تنظيم القاعدة في الواقع ليس سوى إحدى الأذرع العسكرية المسلحة للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وأن دوره منصب لتحقيق أهداف التنظيم الدولي.. وأن حكم ولاية الفقيه في طهران والمتمثل بـ»الثورة الإسلامية» الداعمة الأولى للإرهاب في العالم؛ ليست سوى شريك رئيس.. كونها فرع أساس عن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين وإحدى منتجاته الشيعية!
وضمن هذا السياق نفهم ما قد نراه من سلوكٍ لعدد من دعاة «الصحوة» البدعية من الإخونج في الداخل السعودي وهم يمتدحون أو يدافعون وينافحون ويبررون للقاعدة أو يترحمون على قائدها الهالك «ابن لادن»، أو أن تجد أكاديمياً سرورياً مثلاً يهون من خطورة ما يسمى بـ»الثورة الإسلامية في إيران» ونظام الملالي، أو آخر يلتقط الصور التذكارية مع الإرهابي «حسن نصر الله» مثلاً، ويعلن دعمه لما يسمى بـ»حزب الله» بذريعة «محاربتهم إسرائيل»! وكذلك الحال فيما يخص ميليشيا «حماس» الإخوانية الإرهابية، ويتهم من يسعى لإيقافهما عند حدهما بأنهم من «الصهاينة العرب»!!
ربما بدى حديثي هذا غريباً لمن لم يتعمق في الجذور الفكرية والآيديلوجية لهذه الكينونات الثلاث وتاريخها (القاعدة وبقية التنظيمات والمليشيات الإرهابية المسلحة، إيران، التنظيم الدولي للإخوان المسلمين).. تماماً كمن لا يزال يشكك في أن تنظيم الإخوان المسلمين لا يزال يتغلغل في بلادنا في أماكن متعددة -ومنها ما هو شديد الحساسية بطبيعة الحال- ساعياً لتشكيل «تنظيم مواز»، بهدف «تسخين الأجواء» وتهيئة الظروف المناسبة للانقضاض على الدولة واستهدافها بأقل الخسائر الممكنة كما كشفت مذكرات ابن لادن وغيره من الإخونج.. وان اختراق التنظيمات السرية للإخوان المسلمين وتواجدها فيما بيننا ليست حكراً علينا، بل إنها تخترق دولاً كبرى كالولايات المتحدة مثلاً، بلغ هذا الاختراق ذروته إبان حكم الأمريكي باراك حسين أوباما.. ولا يزال له تواجده القوي إلى يومنا هذا، ومن ذلك تأثيره في العديد من المعاهد والجامعات ومراكز الأبحاث والمنظمات المجتمعية والمساجد والمراكز الإسلامية في أميركا وفي غيرها من دول العالم.. هذه حقائق.. قد تبدو غريبة نوعاً ما، لكنها لم تعد غريبة بذات القدر الذي كانت عليه حين كنت أتحدث عنها قبل أربع سنوات فقط عبر عدة مقالات نشرتها في (صحيفة الاقتصادية) سلطت الضوء خلالها على العلاقة البنيوية الجذرية بين: «إيران الملالي والإخوان المسلمين» وكيف أنهم فعلياً واحد، وأن شراكتهم ليست شراكة «منافع متبادلة» أو «أهداف تكتيكية مشتركة» تتمثل في القضاء على ما يسمونه بـ «العدو القريب» المتمثل بالحكومات العربية والإسلامية المعتدلة؛ بقدر ما هم بالواقع يتشاركون في بنية تنظيمية وفكرية واحدة وان اختلفت ظاهرياً. حيث تعتبر إيران «الإرهاب» إحدى أدواتها في تنفيذ سياساتها الخارجية؛ لتحقيق التوسع، ومد سيطرتها من خلال زعزعة أمن المنطقة، وتفتيت الدول التي تقف حائلاً أمام مشروعها التوسعي، فيما يوظف تنظيم الإخوان التنظيمات الإرهابية كـ»القاعدة» لتحقيق هدفين: ضرب وإضعاف الأنظمة العربية التي تقف حائلاً دون تحقيق طموحهم في (إقامة الخلافة)، والثاني: أنهم يقدمون أنفسهم كبديل معتدل، ويقولون إنهم إذا ما حكموا ووصلوا للسلطة فإنه لن يكون لهذه التنظيمات أي رغبة في العنف.. فمتى ما وصل «الإسلاميون الصحويون» للحكم بالطرق الديمقراطية والسلمية، فإنهم بذلك يسحبون ذريعة العنف والإرهاب من «التنظيمات المتطرفة».. وستنتهي وتضمحل الأعمال الإهابية.. فيما أنه لو تم إبعادهم عن ذلك، وأغلق الطريق أمام تصدرهم للحكم والسلطة، فإن ذلك سيكون دافعاً لمزيد من الإرهاب والعنف والقتل والتفجير والدمار! إلى اللقاء.