عبدالوهاب الفايز
بعد إطلاق الملك سلمان للمشروع الأكبر لتعزيز النزاهة ومحاربة الفساد، وهو الذي قلنا الأسبوع الماضي إنه يشكل الحدث الأبرز في تاريخنا المعاصر، من هذه الحالة الكبرى.. الآن ومستقبلا أصبح أمامنا فرصة كبيرة لكي نمضي بالإصلاحات ومشاريع التطوير الضرورية التي نتطلع إليها ونصت عليها رؤية المملكة 2030، فخادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد، يحفظهما الله، يمضيان بحزم وعزم لأخذ بلادنا إلى حقبة جديدة، فمشروع محاربة الفساد أصبح في أولويات الدولة، ولن تعطله المصالح الخاصة أو الأهواء وسوء التقدير والتدبير.
فبعد تحييد قوتين معيقتين للتطوير وهما: قوة شبكات الفساد والإفساد، ومعها تيار الإسلام السياسي الذي ظل ينازع الحكم ومؤسساته، الآن أمامنا فرصة تاريخية جديده لإطلاق القوى الكامنة في مجتمعنا، وبناء اقتصادنا حتى نوسع فرص العمل والتجارة، وهذا ما كان يتحدث عنه سمو ولي العهد، فالمشروع الكبير يكاد يتعثر بسبب التركة التي ورثناها مع تجاذب المصالح الخاصة بين هاتين القوتين.
مشروع مكافحة الفساد وتعزيز النزاهة نريده منهج حياة، بحيث يتوسع إلى بناء أخلاقيات وممارسات العدالة والنزاهة لسنوات قادمة.. خصوصا أننا مجتمع (70%) سبعون بالمئة من سكانه تحت سن الثلاثين عاما، فهذا المجتمع الشاب يشكل أرضية خصبة لزراعة قيم العدالة والنزاهة، وهو قابل للتعامل مع محاربة الفساد والابتعاد عن الشبهات كمنهج حياة بحيث يتعلمه النشء من المدارس ومن الطريق ومن الأماكن العامة.
إننا بحاجة إلى بناء ثقافة الشفافية والنزاهة عبر الممارسات اليومية وعبر مناهج التعليم وعبر وسائل الإعلام، وعبر تنفيذ الأنظمة التي تحاسب من تتم إدانتهم بالفساد.
أيضا نحن بحاجة إلى رفع كفاءة مؤسسة القضاء وتحصينها من اختراق أصحاب النفوس الضعيفة، فالقضاء القوي الأمين أحد المصدات الوقائية لمحاربة الفساد وتحقيق العداله بين الناس، ومجلس القضاء الأعلى بذل جهودا كبيرة ملموسة في السنوات الماضية، ونتطلع إلى مواصلة جهوده لدعم أصحاب الفضيلة القضاة بالخبرة الفنية ودعمهم بالموارد البشرية، وتحفيز المتميز المنجز منهم الذي ينهي القضايا بدون تعطيل لمصالح الناس.
أيضا من الضروري دعم هيئات مهن المحاماة والمحاسبة والمراجعة، فدورها مهم وحيوي في إبراز الخلل والانحراف في أداء المؤسسات والشركات الكبرى، مع تفعيل لجان المراجعة في الشركات المساهمة والبنوك والمؤسسات المالية، والقطاع الخاص نتطلع إلى مساهمته الواسعة مستقبلا في النشاط الاقتصادي، والشركات الكبرى تستثمر أموال الناس ومدخراتهم، فمن الضروري حمايتها من سوء الإدارة وشبه الفساد.
كذلك رفع مستوى الحوكمة في الجهاز الحكومي ضروري، فنحن بحاجة إلى إنشاء إدارات متخصصة بالمراجعة الداخلية ترتبط مباشرة بديوان المراقبة العامة. أيضا المؤسسات الرقابية مثل ديوان المراقبة العامة، وهيئة الرقابة والتحقيق، و(نزاهة)، والمباحث الإدارية، والنيابة العامة من الضروري دعمها بالإمكانات المادية والبشرية والحوافز والمميزات المالية التي تساعدها في مهمتها الكبرى.
المشروع الذي أطلقه الملك سلمان لمحاربة الفساد وتعزيز النزاهة يحتاج بالإضافة إلى هيكلة الحكومة، ومشروعا ثقافيا ليطور المرشدات والمحصنات الأخلاقية لدى الأجيال الجديدة بحيث نقلل على المدى البعيد تكلفة تطبيق العدالة وتعزيز هيبة الدولة.
ولإتمام هذا المشروع.. علينا تقبل التضحيات ومرارة التجربة، والأشياء العظيمة في الحياة لا تأتي بدون تضحيات، ولنا في تاريخ بلادنا خير مثال، فهذا الوطن الشامخ تجدده وتقوي وحدته الأزمات الكبرى، فقد بُني وتَرعرع على التضحيات والآلام، لم يأتِ على طبق من ذهب!