د. فوزية البكر
صدرت وثيقة سياسة التعليم في المملكة عام 1970 وهذه الوثيقة التاريخية صدرت عن اللجنة العليا لسياسة التعليم التي تم دمجها عام 1425 مع مجلس التعليم العالي، وتتضمن ببنودها (236) أهم الخطوط الرئيسة التي يرتكز عليها التعليم في أهدافه ومراحله المختلفة. غير أن ما يحدث اليوم في عصرنا الصاروخي المعلوماتي يؤكد بما لا مجال للشك فيه الحاجة الماسة لمراجعة هذه الوثيقة في ظل متغيرات العصر الحاضر، وفي ظل التغيرات الديمغرافية والسياسية والتاريخية التي تمر بها المملكة العربية السعودية.
ولأن مقالة بمساحة محدودة لا يمكن لها ان تراجع بدقة وعمق محتوى الوثيقة إلا أن بعض الأمثلة قد يكون كافيا في هذه العجالة لتوضيح أهمية إعادة النظر مرات ومرات في محتوى وثيقة التعليم، فعلى سبيل المثال لا الحصر فإن الكثير من موادها بما تحيل اليه من برامج قد تجاوزها تعليمنا اليوم واستبدلها بأنظمة جديدة مثل تلك الإحالات لمعاهد المعلمين والمعلمات التي تم إلغاؤها منذ زمن طويل، بل وتم تجاوز ما بعدها وهي كليات اعداد المعلمين والمعلمات التي ضمت إلى كليات التربية بالجامعات السعودية، كذلك ما جاء في شأن التعليم الاهلي التي نصت المادة 176 منه مثلاً (أن افتتاح المعاهد والمدارس والمعاهد الأهلية لا يسمح به لغير السعوديين) رغم وجود الكثير من المدارس الاجنبية الاهلية التابعة لسفارات البلاد في شتى مدن المملكة وتملكها هيئات غير سعودية.
وفي المادة 104 من مواد أهداف المرحلة الثانوية والبالغة 17 هدفا والتي ركز معظمها على التربية الاسلامية يذكر المشرع صراحة ان هدف المرحلة الثانوية هو: إعداد الطالب للجهاد في سبيل الله روحيا وبدنيا؟! ولا أتصور أبدا ان هذا هو ما نريده فعلا من طلاب الثانويات في عصرنا هذا.
كذلك عجت الوثيقة بتصورات حول تعليم ودور المرأة السعودية لا تتناسب بالمرة مع ما نراه اليوم من تطور وتمكين للمرأة السعودية في مختلف المجالات حيث لا زالت الوثيقة للاسف تكرس رؤية قاصرة للمرأة؛ إذ ذكر نصا في الفصل الثاني تحت عنوان (تعليم البنات) بند 153 أن هدف تعليم الفتاة هو: تربيتها تربية اسلامية لتقوم بمهمتها في الحياة، فتكون: ربة بيت ناجحة، وزوجة مثالية، وأماً صالحة ولإعدادها بما يناسب فطرتها: كالتدريس والتطبيب التمريض) انتهى النص.
ورغم أن لا أحد يناقش بالطبع على أن المرأة والرجل كلاهما معنيان بتكوين الأسرة التي هي عماد بناء المجتمع ضمن اطار اسلامي يتماشى مع دستور هذا الوطن الا ان تحديد (ان المرأة) ذات فطرة خاصة يجب ان يتم اعدادها أولا وقبل كل شيء كربة بيت ماهرة (ما المقصود هنا بالمهارة مثلاً: حسن الطبخ او التدبير او الخياطة؟ لم يحدد. ثم يأتي دورها الثاني وهو ان تكون زوجة مثالية؟ (كيف لأي احد ان يكون زوجا أو زوجة مثالية؟) وما الذي يحدد أطر المثالية؟ ثم ثالثاً ان تكون أما صالحة (لم أفهم كيف يحتل دور الأم وهو الأكثر محورية لبناء الأسرة المرتبة الثالثة؟) ثم بعد ذلك يمكن للفتاة أن تعد لمهن تناسب طبيعتها (الخاصة) وهي التدريس والتطبيب لخدمة بنات جنسها. ولنتفكر كيف تم تشكيل أجيال بأكملها عبر هذه الاهداف لتنظر إلى هذا المخلوق المسمى (أنثى) بأنها ذات طبيعة (خاصة) تستدعي اجراءات حماية خاصة به ولا يدرك ولا يطلب منه غير إدراك مهارات المنزل. كيف؟ هل هذا قدر نساء هذه الأمة؟.
هل تنقصنا الدراسات في هذا المجال؟ لا أظن، إذ ومنذ بداية التسعينيات وحتى اليوم والكثير من الدراسات العلمية تناقش بنود الوثيقة وتحلل موادها المختلفة دون أن تفلح في لفت انتباه مخططي التعليم ورجالاته إلى أهمية مناقشة نصوص سياسة التعليم التي تحتاج الى تطوير وتغيير بتغير حالنا اليوم. لا يمكن لتعليمنا أن يتغير ويتطور إذا كانت الرؤية والرسالة له غير واضحة وغير متماشية مع متغيرات العصر ومع الحقائق على الأرض، ولذا فهذه صرخة حقيقية أوجهها لوزير تعليمنا معالي د.العيسى الذي أراه يحاول بكل ما يملك أن يحقق الجدوى والتميز لكن دون رؤية محددة وسياسات تعليمية وبأهداف مستقبلية واضحة لا يمكن لعجلة التعليم الحديث أن تدور في هذه البلاد.