د. فهد صالح عبدالله السلطان
لم أعتد على كتابة مقالات تتضمن المديح طوال حياتي العلمية والعملية. وهذا شيء يعرفه عني جميع القراء الأفاضل ممن أسعد بمتابعتهم لما أكتبه. وذلك يعود لسببين: السبب الأول هو أنني لا أجيد لغة المديح ولاأحب صناعته، والسبب الثاني هو قناعتي بأن المخلص بعمله لخالقه بغنى عن ثناء المخلوق له. ولكنني في هذه المرة وبعد ما سمعته من أوامر ملكية للقضاء على الفساد سأكسر منهجي الكتابي هذا وأقول وبكل صراحة إنه حدث تاريخي بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
نعم لقد كتبت عن الفساد وضرورة محاربته أكثر من خمس مرات وكنت في كل مرة أذكر القراء الكرام بأنه الموضوع الأخطر وأن قضية الفساد هي أم الكبائر وأن جلب المصالح مقدم على درء المفاسد. وقد أشار علي بعض الأصدقاء بالتوقف عن الكتابة حول هذا الموضوع لأن التكرار قد لا يضيف قيمة وهو ممل للقارئ وللمسؤول على حد سواء.. ولكنني لم أتوقف أبدا عن مواصلة الكتابة حوله لقناعتي التامة بأنه الموضوع الأكثر خطورة على الاستقرار والأكثر أهمية على التنمية وأن هناك قيادة تبحث عن الحقيقة وتكره الفساد.
نعم من الآن فصاعدا سينام الملك قرير العين وسيعيش الشعب مرتاح الخاطر مطمئن البال. من الآن لن يبكي من لا يملك شبرا من الأرض وهو يرى من يمتلك مئات الآلاف من الأمتار بل عشرات الأكيال من الأراضي، لن يبكي من لا يستطيع أن يجد سريرا تلد عليه زوجته ويستقبل عليه مولوده وهو يرى من يسترخي في جناح بالمستشفى التخصصي لمجرد شعوره بعوارض انفلونزا، لن يحزن من لا يجد حديقة يمرح بها أطفاله وهو يرى أطفال غيره يجولون ويصولون حول بحيرة جنيف وفي فنادق فيينا الفارهة وفي ملاهي الديزني في أورلاندو لمجرد أن والدهم كان مسؤولا في هذه الجهة أو تلك. من الآن سوف يضرب الخائن لأمانته ألف حساب قبل أن يقدم على أخذ ما لا يملكه، من الآن سيميز المسؤول بين المال العام وملكه الشخصي وسوف يطمئن المواطن على استثمار المال العام وعلى صرفه. نعم قد تشح الموارد ولكنها – إن شحت - ستشح على الجميع بدون تمييز. عندما يعم العدل يعم الرضى وتتأصل القناعة.
بقي نقطة أخرى وهي التذكير بأن الفساد لا يقتصر على المال وحده بل يتخذ أشكالا مختلفة، فبالإضافة للفساد المالي هناك فساد اجتماعي وإعلامي وأخلاقي وهو بكل أنواعه وأشكاله ذا ضرر متعد وليس لازم. أولئك الذين يفسدون إعلامنا بمحطاتهم وقنواتهم التي تنشر الرذيلة، أولئك الذين يفسدون شبابنا بترويج المخدرات استنادا إلى نفوذهم أو جاههم الاجتماعي، أولئك الذين لا يأخذون رشوة بشكل مباشر ولكنهم يفسدون خدماتنا بمحسوبياتهم الاجتماعية وبمحاباتهم لذويهم وأقربائهم...إلخ.
وعليه فلعل هذه الأوامر الحاسمة تتوج بما يلي:
1- أن تمتد يد العدل والحزم إلى كل أشكال الفساد المالي والاجتماعي والأخلاقي والإعلامي.
2- أن يتم وضع الأسس والقوانين الكفيلة بتضييق الخناق مستقبلا على ذوي النفوس الضعيفة.
3- تطبيق مبادئ الحوكمة في القطاع العام والإفصاح عن أي معاملة لمنسوبيه أو أقاربهم من الدرجة الأولى.
4- تأصيل مبدأ الشفافية في الإيرادات والمصروفات العامة للدولة.
5- وضع سياسة ونظام لتكريم المخلصين.
6- إعادة النظر في آلية اختيار القياديين في القطاع العام ومتابعة أدائهم
7- إعادة النظر في أهداف وآلية عمل هيئة مكافحة الفساد.
والله الهادي إلى سواء السبيل.