ماجدة السويِّح
شهد العالم عام 1990 الشاهدة نيرة وهي تلقي خطابها المؤثر والمبلل بدموع الألم أمام حقوق الإنسان بالكونغرس حول الفظائع التي شهدتها بعد الغزو العراقي الغاشم للكويت، نيرة في شهادتها كممرضة فرت من الكويت قدمت أبشع قصة يمكن أن تروى عن موت جماعي لمجموعة من المواليد، بعد أن أخرج الجنود العراقيين المواليد من الحاضنات بالمستشفى، وتركوهم يموتون على الأرض دون رحمة.
هذه القصة لعبت دورًا محوريًا في التدخل العسكري والموافقة على إرسال قوات أمريكية لدعم الكويت في حرب الخليج، فكم مرة استشهد الرئيس جورج بوش الأب وأعضاء من مجلس الشيوخ بالحادثة لدعم التدخل الأمريكي لحرب الخليج الثانية، الفتاة التي مثلت أمام الحشود، لم تكشف عن اسمها كاملا خوفا، وحماية لعائلتها التي ما زالت بالكويت.
في عام 1992 تم الكشف عن نيرة والقصة المؤثرة التي ابتدعتها، نيرة ابنة السفير الكويتي لدى الولايات المتحدة الأمريكية سعود الصباح آنذاك كانت اللاعب الرئيس في دعم الخيار العسكري، فقد كشفت النيويورك تايمز والواشنطن بوست أن الفتاة البالغة من العمر 15 عاما لم تكن متواجدة بالكويت أبان الغزو العراقي للكويت، فلم تكن نيرة سوى مشهد صيغ بدقة في حملة علاقات عامة منظمة من قبل الشركة الأمريكية (Hill and Knowlton Strategies) للحكومة الكويتية، التي اختارت قصة من صنعها وتركت قصص الغزو الأخرى الحقيقية.
رأت شركة هيل ونولتون أن اللعب على وتر الإنسانية وقتل الأطفال الأبرياء في الحاضنات أكبر دافع للموافقة على دعم استخدام القوة لتحرير الكويت.
الحالة الدراسية للموافقة على تحرير الكويت غالبا ما يتم الإشارة لها في مناهج العلاقات العامة كمثال حي على الدعاية العاطفية الحديثة، واستخدامها عند الحديث عن أخلاقيات أخصائي العلاقات العامة، والحملات الإعلامية في إقناع الجمهور وأصحاب القرار.
البعض يرى أن الوقت كان حاسما في تبني قرار مصيري لتحرير الكويت وعليه كل شيء في الحرب جائز فـ»الحرب خدعة» يكتبها ويلونها خبراء العلاقات العامة، لكسب المزيد من الأصوات من أجل تحقيق الهدف الأسمى وهو تحرير الكويت، والبعض من المتخصصين يرى أن الكذب والتلاعب بالحقائق سقطة أخلاقية لا تغتفر لأخصائي العلاقات العامة، ونتائجها وخيمة على صانعها ومستهلكها صاحب المنتج، أو الخدمة.
فقد تعرضت شركة هيل ونولتون بعد الفضيحة المدوية بكذبهم بشأن الفتاة لدعم حرب الخليج لخسارة سمعتها السوقية وثقة العميل والجمهور، بالإضافة لانخفاض أعداد العاملين المتأثرة سمعتهم تبعا لسمعة الشركة، فالبعض فضل ترك العمل في شركة لا تحترم المواثيق الأخلاقية والبحث عن شركات أخرى تحافظ على ميثاق الشرف والأخلاق، وتبحث عن البدائل الأخلاقية عند ممارسة العلاقات العامة.
وأخيرًا.. المتلاعبون بالحقائق في مهنة العلاقات العامة يتناسون أن حبل الكذب قصير.. والتاريخ شاهد لا يرحم عن الممارسات السلبية التي قد يستمر ضررها حتى لو كانت من أجل الدفاع ونصرة قضية عادلة.