أحمد فلمبان
يتحدث الكثيرون بما فيهم الفنانون والأكاديميون وكُتّاب النقد عن وجود حركة تشكيلية سعودية، ولكن الواقع غير ذلك بمفهومه النقدي المتعارف عليه، لأن الحراك الفني له معاييره ومناهجه وفلسفاته وانطلاقاته ومؤسساته وبنيته التحتية وهذه ليست موجودة كي نزعم بوجود حركة تشكيلية!! ولعل من أهمها المدارس والمعاهد للناشئة وأكاديميات للفنون ومتاحف للفن التشكيلي المعاصر ودور المزادات ونقاد حصيفين ومؤرخين متخصصين في مجالات الفنون والحضارات الإنسانية وتوفر الكتب والمراجع والموسوعات ومثمّني الأعمال الفنية وخبراء العلاقات العامة والتسويق واختصاصات اخرى ضمن منظومات فرعية في عالم الفن، تُديم طبيعة بناء القيم الفنية، وتشارك في تثمين النتاج الفني وتقدير العملية الفنية، والطامة الكبرى أن الفن التشكيلي السعودي مازال مجهولاً على المستوى المحلي والعالمي، بسبب ضعف الدور الإعلامي الذي يخدمه، فلو لاحظنا الفن في العالم بما فيها دول الجوار، وجدنا أن أكثر العالم مطلع عليه، لأنه مخدوم اعلامياً وتقدم له برامج ودوريات خاصة ومتابعة كل جديد ومفيد في عالم الفن من كتب ومؤلفات ومجلات بكل لغات العالم وبرامج مرئية وسمعية وصحافة، وتصرف لها الجهات الرسمية الإمكانات المادية والتقنية لخدمته، فهذه المعايير مهمة جداً لبناء صرح تشكيلي يعبر عن دينامية الفن وتغيره واستجابته لكل التغيرات والارتقاء عبر مستويات مختلفة وما ينجر عن ذلك من تغيير على مستوى وأسلوب وثقافة ومفهوم وإنتاج فني للخروج من العبث، لأن الموجود على أرض الواقع هي أنشطة باهتة بائسة لأهداف تجارية وأغراض منفعية تنتهي بنهاية الحدث، وما بقي من رمق أصبح مشوهاً في ذهن المجتمع، ولا يبعث على التفاؤل ولا يمكن مقارنته بدول العالم العاشر ولا يعبّر عن حالة فنية أصيلة، فالطابع مفقود والأصالة مُمْحاة عبارة عن تشويش وخلط ومعظم الأعمال محاكاة واقتباس من هنا وهناك وأكثر الأعمال متشابهة في الأسلوب والاستلهامات والمواضيع مقلدة، وأيضا الصِّيَغ واحدة، وعندما يظهر في الأفق اسلوب لفنان ونجح فيه ولقي إشادة وتطبيل، قلده العشرات بعده، فأصبحت هناك علامة بارزة لأعمال الفنانين في كل مدينة، لأن اكثرهم يتبعون أسلوب بعضهم!! وهناك ركض جنوني خلف السوق ومن يبيع أكثر وتقليد ممَّن تذهب إليه الجوائز، لغياب التقييم الجاد والممارسة النقدية الصريحة وانتشار ظاهرة الإشادات الخادعة والدورات التجارية الدسة المواربة التي لا تغني ولا تسمن من جوع! ولا ننكر أن هناك بعض التجارب الجادة، ولكنها غير مؤثرة ومبعثرة لا يحتويها متحف وغير معروف لدى الناس بسبب الخطاب السائد في ذهن المجتمع، ومن هنا جاء الخلل في الفن وترنحه في خطواته وسيستمر قابعاً في (مكانه) ووقوفه في حدود «الظاهرة» ما لم يتم دعمه مالياً ورفع المحاذير والعوائق التي تعترض طريقه وتفعيل مفهوم الحراك المتعارف عليه، والأمل إن شاء الله معقود في رؤية 2030.