حمّاد السالمي
وأقصد بالحَراك في العراق؛ ما يجري من نشاط ومبادرات نراها تبذل من كثير من القوى السياسية والدينية والشعبية في العراق، للخروج من مأزق التأزم والتشرذم؛ إلى حالة من الاستقرار السياسي والأمن الاجتماعي؛ الذي بدوره يضع العراق قادرًا على مجابهة كافة الأطماع والمؤامرات الصفوية والطائفية، التي تستهدف بناه الأمنية والعرقية والشعبوية، ليظل دائمًا تحت سطوتها وسيطرتها.
* من المؤكد.. أنّ العراق اليوم غير العراق بالأمس. عراق حكومة العبادي غير عراق حكومة المالكي وصدّام. صدام ورّث العراقيين الكراهية فيما بينهم، ودفع بهم لأتون حربين دمويتين، الأولى مع إيران الخمينية، والثانية مع جواره العربي. عندما جاء نوري المالكي بحراب الجيش الأميركي؛ مارس الدور الصدامي نفسه، وزاد عليه بأن قدّم العراق لإيران الصفوية على طبق من ذهب. هدية لم يكن يحلم بها الصفويون منذ كسرى فارس حتى خامنئي العصر..!
* قدر العراق عبر تاريخه الطويل؛ أن يكون ساحة عراك لقوى من كافة الجهات، كلها تلتقي على أرضه لتحترب وتصفي حساباتها على حساب الشعب العراقي الذي تتنازعه هذه القوى وتحيله إلى جلاد وضحية في الوقت نفسه. كان الصراع قائمًا على أرض العراق بين حضارتين فارسية ورومية قبيل ظهور الإسلام، بعد ذلك مارست الحضارة الإسلامية صراعًا فئويًا على السلطة بين دمشق وبغداد، كان العراق ساحته من جديد.
* في عصرنا الحديث؛ تمكن الصفويون من وضع أقدامهم في أرض السواد، وترتب على هذه الهجمة الصفوية الظالمة؛ التي اجتاحت العراق برايات سود مخادعة، أن ظهر الوهن في مؤسسات الدولة والمجتمع معًا، فتحولت إلى هدف آخر من خلطة (داعشية قاعدية)؛ أنتجها رحم (جماعة الإخوان الشياطين)؛ تدعي جاهزيتها لإقامة خلافة دينية على غرار ما كان عليه الحال أيام الخلافة العثمانية، ويعمل على رفض كل مظهر حضاري نشأ خلاف ذلك تحت شعار: (دولة الخلافة الإسلامية). وهي في حقيقتها (خرافة إسلامية) لا خلافة إسلامية، والدليل: هو المآل الذي آلت إليه هذه الخرافة؛ غير مأسوف على سحقها ومحقها ورميها بكل فكرها ومن آمن بهذا الفكر في مزبلة التاريخ. العراق مع حكومة نوري المالكي؛ أصبح بين فكي اجتياحين: اجتياح صفوي مذهبي ميلشاوي مسلح، واجتياح داعشي تكفيري مسلح هو الآخر..!
* لا تسل عن كل التضحيات العظيمة التي قدمها الشعب العراقي بكافة أديانه ومذاهبه وفئاته.. مئات آلاف القتلى والمشردين والنازحين، ومدن وقرى دمرت وخربت، والراقصون على آلام ودماء الأبرياء بلا عد ولا حصر، وكان لا بد أن تكون هناك نهاية لهذا العبث بحياة العراقيين ومستقبل أطفالهم وأُسرهم. كل العراقيين من عرب وكرد وغيرهم، شيعة كانوا أو سنّة، أو مسيحيين ويهوداً. الكل بكل تأكيد؛ شبع من هذا العِراك الذي لازم العراقيين من سنة 1980م حتى اليوم.
* تاريخ العراق يشهد بأنها موطن الأنبياء، وبلد حضاري منذ ما قبل التاريخ. بل كانت نقطة التقاء لأكثر من حضارة فارسية ورومية وعربية فيما بعد. حكمها العرب المناذرة المحادين للعرب الغساسنة في الشام؛ والمناذرة والغساسنة كانوا رعاة للشعر والأدب أكثر من غيرهم في وقته. ومن جميل ما يرتبط باسم العراق؛ أنّ هذا الاسم ليس له صلة بالعرق الذي يعني الجنس الواحد من البشر مثلًا. لقد ذهب المؤرخون إلى أنّ مفردة العراق تعني (المستوطن).. سومرية (uruk)، وكيشية (Irak)، وتعني في العربية: (شاطئ البحر)، وأهل الحجاز يسمون ما كان قريباً من البحر (عراقـًا)، وعندما دخلها العرب المسلمون ورأوا دجلتها وفراتها أطلقوا عليها اسم: (بلاد الرافدين)، وكذلك: (أرض السواد)، لكثرة نخلها وغلبة خضرتها.. هذا إلى آخر ما ورد من مسببات لهذا الاسم دون ذكر للعِرْق، فالعراق بلد مختلط الأعراق، متعدد الثقافات والأديان والمذاهب، وهذا التنوع البشري والثقافي؛ وحتى الجغرافي، هو مصدر ثراء وقوة.. أو هكذا ينبغي أن يكون عليه العراق، فهو يستحق أن يكون قارًّا آمنًا، ليتحقق له الرخاء والنمو الذي يطمح إليه كل بلد في هذا العالم.
* مما يذكر في كتب المؤرخين؛ أنّ اسم العراق ظـهر لأول مرة في الشعر العربي في بيت للمتلمّس. وهو (جرير بن عبد المسيح الضبعي). كان من شعراء البحرين. جاء إلى الحيرة في العراق، ومنها هرب إلى الشام وبقي فيها، وقد بلغه أنّ عمرو بن هند يقول: (حرام عليه حب العراق أن يطعم منه حبة)..! فقال قصيدة طويلة منها هذا البيت:
إنّ العـراق وأهله كانوا الهوى
فإذا تأتّى بي ودّهم فليبعد
* نتابع اليوم ما يجري من حَراك عراقي ملفت؛ يقوده رئيس الوزراء السيد (حيدر العبادي) وحكومته؛ داعين الله أن يجنب العراق والعراقيين؛ كل عراك سياسي أو مذهبي في المرحلة القادمة، وأن يعود هذا القطر العربي الشقيق؛ إلى لحمته العربية، وأن يستعيد أمنه واستقراره ورخاءه.
* كان العراق وما زال؛ في وجدان أهل الضاد مشرقًا ومغربًا، وفي ضمير جواره العربي، وخاصة المملكة العربية السعودية ودول الخليج. يحضرني بهذه المناسبة؛ قول الشاعر أحمد رامي:
إيه بغداد والليالي وكتاب
ضم أفراحنا وضم المآسي
عبث الدهر في بساتينك الغنّاء
والدهر حين يعبث قاس
فتصديت للغزاة وجابهت
إذا هم مثل الجبال الرواسي