نجيب الخنيزي
على رغم النكبات المتتالية التي تعرض لها الشعب الفلسطيني، وما قدمه من تضحيات جسيمة على امتداد أجيال متتالية، ظل متمسكاً بحلمه الذي لم يتزعزع في العودة إلى أرضه، وإقامة دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس.
وينبغي هنا التوقف عند بعض محطات النضال الفلسطيني. وحقيقة، إن بعض القيادات والمنظمات الفلسطينية قد ارتكبت الكثير من الأخطاء في فهم واستيعاب الواقع الفلسطيني ومتغيراته ومتطلباته، كما ارتكبت ممارسات خاطئة وجسيمة مثل التدخل في الأوضاع والسياسات الداخلية في بعض البلدان العربية، من خلال رفع بعض الشعارات الثورية وغير الواقعية، مثل طريق القدس وتحرير فلسطين يمر عبر عمان أو بيروت، ما أدى إلى الصدام الحاد، وتوتير علاقات الشعب الفلسطيني والفصائل المسلحة واللاجئين الفلسطينيين بسلطات ومجتمعات (الأردن ولبنان على سبيل المثال) تلك البلدان، وقد تعلمت القيادات الفلسطينية إلى حد كبير من أخطائها، وتجاربها المريرة السابقة، وأخذت تركز جهودها على قضيتها الوطنية المباشرة، وخصوصاً في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والذي تمثل بصورة مبهرة إبان الانتفاضة الأولى (انتفاضة الحجارة) من حيث قدرة الفلسطينيين على التعبئة الشعبية، والمقاومة المدنية الواسعة، والصمود أمام آلة الحرب الإسرائيلية الهمجية، والمدججة بأحدث الأسلحة الفتاكة، والتي لم تتورع من استخدام الدبابات، المدرعات، الطائرات الحربية، والرصاص الحي ضد المتظاهرين العزل، ما أكسب الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية العادلة احتراماً وتعاطفاً غير مسبوق من قبل شعوب العالم، كما عرى السياسة الإسرائيلية سياسياً وأخلاقياً لدى الرأي العام العالمي، وفي داخل إسرائيل نفسها.
الأمر الذي أجبر إسرائيل على الدخول في مفاوضات سرية مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، نجم عنها ما عرف باتفاقيات أوسلو (1993) التي أدت إلى إنهاء الانتفاضة، وعودة ياسر عرفات ومعظم قيادة منظمة التحرير الفلسطينية إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومن ثم إجراء انتخابات رئاسية (للسلطة) وتشريعية فاز فيهما ياسر عرفات وحركة فتح بغالبية كاسحة من الأصوات. غير أن اتفاقات أوسلو سرعان ما وصلت إلى طريق مسدود نتيجة التعنت والصلف والمراوغة الإسرائيلية.
والسؤال الآخر، هل كان الصدام والصراع الدموي حتمياً بين حركتي (حماس) و(فتح) الذي أفضى إلى وجود دويلتين (غزة، والضفة الغربية) هشتين تحت الاحتلال؟
وفي هذا الصدد نشير إلى أن ما حصل يمثل سابقة خطيرة، وتطاولاً على مسيرة كفاح وتضحيات أجيال متعاقبة من الشعب الفلسطيني، من أجل نيل حقوقه الوطنية العادلة والمشروعة، وإن ما حدث لم يكن مبرراً وطنياً وسياسياً وأخلاقياً، وبغض النظر عن عمق الخلافات السياسية/ الأيدلوجية، فإن ذلك ليس مسوغاً لأن يحدث ما حدث من تعديات استهدفت الدم الفلسطيني، ومرافق وأجهزة السلطة التنفيذية، والأمنية،، في أجواء تعيدنا إلى مشاهد قديمة كئيبة ظننا إنها انتهت، على شاكلة الانقلابات العسكرية، والبيان رقم واحد، الذي يبشر بعصر الحرية والوحدة وتحرير فلسطين (هنا تضاف مقولة الإسلام هو الحل) والتي أفضت عملياً إلى الاستفراد بالسلطة وإقامة أنظمة شمولية، صادرت الدولة (هنا لا توجد دولة) والسلطة والمجتمع، وفرطت أو فشلت في تحقيق أي من شعاراتها المرفوعة.
كما نشير إلى المسؤولية المباشرة لسلطات الاحتلال، وسياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، بما فيها حكومة نتنياهو الحالية، وحماتها وخصوصاً الولايات المتحدة، حيث عملت ومنذ اتفاقات أوسلو وطيلة فترة وجود ياسر عرفات (أبوعمار) على تكريس الاحتلال عملياً، على رغم انسحابها الشكلي المؤقت من بعض المدن والمناطق الفلسطينية، التي سرعان ما أعادت فرض سيطرتها المباشرة وغير المباشرة عليها، ووصل الأمر إلى فرض طوق أمني محكم على الرئيس الراحل جعلته في الواقع أسيراً في مقره لمدة تجاوزت ثلاث سنوات، ثم عملت على تصفيته، واستمرت في ذات السياسة في عهد خلفه (الحالي) محمود عباس، بأن صعدت من إجراءات القمع والحصار والتجويع، وإقامة الجدار العازل، والتوسع غير المسبوق في بناء المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية ومدينة القدس الشرقية، إلى جانب رفض كل مبادرات السلام الدولية والعربية والعمل على تعطيلها، وهو ما أدى إلى حالة من الإحباط واليأس وانسداد الأفق لدى الشعب الفلسطيني، غير أنه إزاء دور الاحتلال وممارساته، وتأثير العاملين الإقليمي والدولي في الوضع الفلسطيني، كان المطلوب وهو مطلوب الآن على نحو ملح وأشد إنهاء العصبيات القاتلة، وتجاوز المصالح الفئوية الضيقة، والعمل على إعادة اللحمة بين مختلف مكونات الشعب الفلسطيني، وفقاً للثوابت الوطنية ومصالح الشعب الفلسطيني. ما يحصل للشعب الفلسطيني المغلوب على أمره من مآسٍ، وما لحق بقضيته وكفاحه المعمد بالدم والتضحيات من أذى جسيم، هو عار لن يغفره الشعب والتاريخ في حق مرتكبيه من الأطراف كافة. للحديث صلة