فهد بن جليد
وأنت تقرأ خبر اعتذار شركة (تسوكوبا إكسبرس اليابانية) عن تحرك قطارها المتجه يوم الثلاثاء الماضي من محطة (مينامي) مبكراً قبل موعده المُجدول بـ (20 ثانية) تُصاب بالدهشة والحسرة معاً، لاحظ أنَّ الاعتذر بسبب التحرك قبل الموعد بـ عشرين ثانية فقط - وهي المدة المقدرة لقراءتك للجزء الأول من هذا المقال - فما بالك لو حدث تأخير عن الموعد بأكثر من ذلك.
انهيار سلم القيم في المجتمعات يمكن قياسه ببساطة من مدى احترامها للوقت والالتزام بالمواعيد، وهذا لا يخص الأفراد وحدهم في الغالب، بل تشاركهم في ذلك المؤسسات والشركات العامة والخاصة، التي لم تعد تعير هذا المفهوم الأهمية المطلوبة في بعض مجتمعاتنا، وهو ما انعكس سلباً على تقدير الأفراد لأهمية الوقت وفشلهم في ترتيب الأولويات وتقدير الاحتياج ومعرفة الحقوق والمطالبة بها، مما أثر في باقي مناحي الحياة، الثقافات المُتقدمة والصارمة أكثر نجاحاً في تحقيق أهدافها من تلك المُسترخية أو المرِّنة، ويمكن اكتشاف ذلك في الفرق بين ما يحدث في أمريكا وأوروبا وبعض البلدان الآسيوية النشطة (كاليابان، الصين، كوريا..) عند الإخلال بالوقت المُحدد والمُتفق عليه سلفاً، وما بين يحدث من ردة فعل في أغلب مجتمعاتنا العربية، ويشاركنا فيها ثقافات مجتمعات أمريكا اللاتينية والهند والشرق أوسطية، التي تقبل - غالباً - التأخير كجزء من المُمارسة اليومية الطبيعية للأنشطة - رغم أنَّ القيم الدينية والأخلاقية لهذه الثقافات - تقدس الوقت وتعتز به، ولكن ثمة فرق بين ما نحمله من قيم وشعارات وما نفرضه من حقوق وقوانين، وبين ما نُمارسه على أرض الواقع في حياتنا.
لا قيمة للأنظمة والتشريعات والقوانين والحقوق المُقرَّة والمُعلنة لضبط الوقت والالتزام بالإنجاز في المشاريع وتقديم الخدمة، إن لم تُفعَّل عند المُخالفة والتأخير، وثمة سؤال يترَّدد كثيراً هل ذلك مسؤولية الأفراد (مُستفيدين من الخدمة، مراقبين، عاملين) أم مسؤولية المنظمات العامة والخاصة ككيانات منفذة لها قوانينها وأنظمتها.
لن ننتظر من أي مقاول أو مقدم للخدمة اعتذاراً أو تحملاً للمسؤولية مثل ما قرأناه أعلاه من الشركة اليابانية، ما لم يكن هناك رقابة صارمة من الجهات المُشرِّعة والرقابية، نتيجة تحرك المُجتمع (أفرادً ومُستفيدين) ومُطالبتهم في كل مرة بالحصول على حقوقهم كاملة - فضلاً عن معرفتها أصلاً - وهذا حجر الزاوية هنا.
وعلى دروب الخير نلتقي.