علي الصراف
يتحدث المرء مع نفسه أكثر مما يتحدث مع الآخرين. ويقول في قلبه أكثر مما ينطق به لسانه.
في مخاطبات ذاتية كهذه، تنطرح الأماني والتطلعات والمخاوف كلها من دون تحفظات ولا حواجز.
وأعرف من بعض المخاطبات أنه ليس ذاتياً على الإطلاق، وذلك عندما يتصل الأمر بشخصيات عامة، تترك في النفس أثراً مباشراً. فما تراه ويمس شغاف قلبك، يراه الآخرون ويمس لهم ذات الشغاف.
ولكني لاحظت في نفسي بعض اختلاف في القول على امتداد الوقت منذ تولي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز مسؤولية ولاية العهد حتى الآن.
عندما رأيته يقبّل أيدي أعمامه وينحني لهم، قلت وقالت ملايين القلوب: «بارك الله بك». وذلك إذ مس بتواضعه ورفعة أخلاقه شغاف كل الذين رأوا ذلك الحدث الكبير.
لقد كان منعطفاً في التاريخ، ولكن قدم في الوقت نفسه رجلاً وأيما رجل، برقي عز نظيره، وبامتلاء نفس عز قرينه، وبشارة سمو عز مثيلها.
وأعمامه وأبناء أعمامه الذين بايعوه لولاية العهد، كلهم يعرفون خصاله ويحبونه، حب أخ وابن، واختاروا أن يجعلوه أملاً وطيداً أيضاً للبناء على مسيرة العزم والحزم التي يقودها خادم الحرمين الشريفين.
وعندما رأيته يستقل حشود البيعة ويحتضن كل من هم أكبر منه سناً بدلاً من أن ينحنوا له، قلت: «بارك الله بك»، فهذا رجل رفيع المكانة في القلوب لأنه تقي القيم، ورع الأخلاق، وأصيل.
وعندما قرأت قوله لوالد الشهيد عبدالله السبيعي الذي قضى في الاعتداء على قصر السلام: «أبيك تعرف حاجتين، ثأر ولدك عندي، باخذه من كل متطرف وكل إرهابي بهالبلد، والشي الثاني، اعتبرني واحد من عيالك»، قلت «بارك الله بك»، فهذا تعهد كبير، من ناحية المسؤولية، ولكنه كبير كبير من ناحية الحنو والعطف والمشاركة.
لم يكن الأمر مجرد مواساة. ذلك أنه جعل نفسه أخاً لكل شهيد، وابناً لكل أسرة في هذا البلد.
وساعة اطلعت على تقييمه العميق لطبيعة الحرب الدائرة في اليمن، قلت: «بارك الله بك»، فهذه الحرب بالفعل ليست حرباً من أجل الدفاع عن النفس، حيال نوع آخر من «حزب الله» الإرهابي في لبنان، وإنما عن مصالح الجميع في مضيق تمر عبره 10% من تجارة العالم.
وساعة اعتبر أن الأزمة مع قطر صغيرة «جداً، جداً، جداً»، قلت: «بارك الله بك»، وذلك إذ وضع الحجم بحجمه الصحيح، تاركاً لضجيج الذين أصغروا أنفسهم، أن ينفخوا في رماد ما يفعلون.
ولكني لاحظت اختلافاً في ما يتردد من صدى القلب ساعة كشف عن مشروع «نيوم». التوطين ربما كانت هي كلمة السر الكبرى في كل المشاريع والاستثمارات، التي طرحت في إطار «رؤية 2030».
والتوطين إنما يعني تحويل القدرة على البناء والتقدم الاقتصادي الى أساس متين للرخاء الاجتماعي. إنه يعني خلق ملايين الوظائف، ورفع مستويات المعيشة، ومواجهة تحديات المعرفة على مختلف الأوجه، ومنها التعليم والثقافة العامة، فضلاً عن الارتفاع بكل مستويات الخدمات العامة الأخرى.
ولكن مشروع «نيوم» زاد على كل ذلك. إنه مشروع لـ»توطين المستقبل» بالذات، بمشاركة فعالة مع كبرى العبقريات المستقبلية في التكنولوجيا والصناعة والمواصلات، وهذا منقلب كبير، لا يكتفي بالاستثمار في المستقبل في الخارج، بل يجلبه الى المملكة ليجعل منها مركزاً لصنعه.
في تلك الساعة، قال صدى القلب: «الله يحميك». فالمشاريع النهضوية الكبرى لا تسر الحاقدين.