خالد بن حمد المالك
لا نعرف شيئاً عن موقف واحد لألمانيا تدعم به استقلال لبنان، أو تشخّص به الحالة اللبنانية، وهي معذورة في ذلك، حيث يسيطر حزب الله على مقاليد الأمور في لبنان، بدعم معلن من إيران، فألمانيا في أحسن الأحوال تلتزم الصمت أمام العبث الإيراني في الشأن اللبناني، وهي تتدخل بتصرفات عشوائية عندما تكون التطورات لصالح استقرار لبنان، كما حدث في اللقاء الذي جرى بين وزيري الخارجية في كل من ألمانيا ولبنان، حيث أدلى الوزير الألماني زيغمار غابرييل بتصريح بُني على معلومات كاذبة خدعه بها وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، وهو بالمناسبة صهر الرئيس اللبناني ميشيل عون، وأحد الأوراق التي يلعب بها حزب الله.
* *
فإذا اعتبرنا أن تصريحات وزير الخارجية الألماني هذه لا تمثِّل إلا نفسه، وأنها اجتهادات بُنيت على خديعة مررها عليه الوزير اللبناني ذو السوابق في تبني المواقف العدائية من المملكة، فإن على ألمانيا التي تربطها علاقات طيبة بالمملكة، أن توضح موقفها من افتعال وزير خارجيتها أزمة بين الدولتين الصديقتين اضطرت المملكة إلى إصدار بيان تستنكر فيه هذا التصريح غير الودي، وتستدعي سفيرها في ألمانيا للتشاور، وتسليم مذكرة احتجاج للسفير الألماني لدى المملكة.
* *
قواعد العلاقات الدبلوماسية التي لا يعرفها وزير خارجية ألمانيا، تعتمد على التفاهم حول ما يكون غامضاً أو غير واضح في شأن من الشؤون، ولا يُؤخذ الموقف السياسي للدول من خلال معلومة تصل من طرف واحد كما كان ذلك حين نقل الوزير اللبناني معلومات غير صحيحة، فجاء تصريح الوزير الألماني متجاوباً ومتفهماً لما قاله وزير ذو مواقف غير ودية من المملكة في مناسبات سابقة، وكان الأولى بالوزير الألماني أن يستمع إلى رأي المملكة قبل أن يدلي بهذا التصريح الذي بُني على معلومات مغلوطة وأكاذيب لا تخدم العلاقات الثنائية بين المملكة وألمانيا.
* *
لقد أثارت تصريحات زيغمار استغراب واستهجان المملكة، إذ إنها لا تخدم لبنان ولا الاستقرار في منطقتنا، وترى فيها أنها لا تمثِّل موقف الحكومة الألمانية الصديقة التي تعدها حكومة المملكة شريكاً موثوقاً في الحرب على الإرهاب والتطرف، وفي السعي لتأمين الأمن والاستقرار في المنطقة، أي أن بيان المملكة يفرق بين موقف الحكومة الألمانية وموقف وزير خارجية ألمانيا بشأن هذا التصريح العجيب الغريب، لكن المطلوب من حكومة ألمانيا أن توضح موقفها؛ لأن ترك وزيرها يدلي بتصريحات غير موزونة ومبنية على معلومات غير صحيحة ومن مصدر مشبوه لا يخدم العلاقات الثنائية.
* *
صحيح أن حكومة ألمانيا تنأى بنفسها عن التدخل في شؤون دول منطقتنا في كثير من القضايا الساخنة، وهذا يقدَّر لها، وصحيح أن أوضاع لبنان لا تأتي ضمن أولويات اهتماماتها، غير أن هذا التصريح للوزير زيغمار يدفع بها إلى الانحياز غير المقبول وغير المعتاد منها إلى طرف دون آخر، ويجعلها وكأنها مغيَّبة عن التدخل الإيراني في الشأن اللبناني، وسيطرة حزب الله عميل إيران على قرار الرئاسة اللبنانية، بل وتحويل لبنان إلى منطقة صراع ونفوذ للدول، ومكان لتدريب المتطرفين والإرهابيين، وممر عبور للأسلحة والمخدرات والعناصر الإرهابية إلى الدول، ما يعني أن مسؤولية ألمانيا ودورها يجب أن يكون بالمساعدة مع الآخرين في القضاء على مظاهر تقويض الأمن في لبنان، والحيلولة دون استخدامه مصدراً لإزعاج الدول الأخرى والتآمر عليها.