رقية سليمان الهويريني
تقوضت أهمية العلوم الإنسانية (علوم العمران البشري) كعلم المنطق والاجتماع والنفس والإدارة والاقتصاد والإعلام على عتبات العلوم التطبيقية كالطب والصيدلة والهندسة والميكانيكا وعلوم البحار والطيران! حتى صار هناك قدسية لتلك العلوم التطبيقية الخدمية وتهميش تام للعلوم الإنسانية الفكرية! وهنا لا نقلل من تلك العلوم الخدمية فلها أهمية كبيرة، ولكن أن يميز خريج العلوم التطبيقية ويبجل مادياً ومعنوياً مقابل امتهان صاحب العلوم الإنسانية الفكرية وكأن قدراته ناقصة؛ فإنه من غير العدل بل من غير العقل!
وإن كنا نتوقع أن الدول الصناعية المتقدمة قد تفوقت علينا بسواعد أبنائها في العلوم الخدمية كالمهندسين والميكانيكيين والصناعيين فإننا واهمون! لأنهم تفوقوا بعقولهم الإدارية والاقتصادية والاجتماعية كمعرفة كيفية التغيير وحراكه وتطويعه؛ فتغلبوا علينا!
وليست ثمة علوم يمكن أن تغير واقع الحياة، مثل العلوم الإنسانية التي باستطاعتها خلق مواطن مدرك واعٍ لما حوله، وبإمكانها تعزيز الحراك الإيجابي للقيم دون تبعية لرموز من ورق، وبمقدورها ترسيخ مبادئ المواطنة الحقة والانتماء الأصيل مثل العلوم الفكرية الإنسانية التي تنقل الناس من الجهل للنور، وتفتح أذهانهم لتقبل التطور ومقارعة تقدم ورقي الأمم الأخرى.