د. حسن بن فهد الهويمل
لست أدري لِماذا أنا مُتَشَائم إلى حَدِّ [المَعَرِّيِّة]، و[الرُّومِيَّةِ]. وتشاؤمي لن يسلم له الجميع على الإطلاق. وإن عضدني الواقع، وجاءت رؤيتي من شاهد على العصر.
ولست أدري أَشَرٌّ أريد بمشرقنا، أم أريد به الرَّشَد، وقصد السبيل:- {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}.
ما تعيشه الأمة في الربيع المشؤوم شَرٌّ مستطير. وعُهر سياسي خطير. وشهوة عارمة للدماء، والدمار، والنوايا السيئة.
كُنَّا أمة متقاربة المشارب، فبعث الله دول الاستكبار من شَرْقٍ ماركسي ملحد، إلى غَرْبٍ رأسمالي متصهين. وكانت ميادين صراعه خارج أرضه، وبأيدي محاربين بالإنابة، وكانت فجاجنا مضمار اللزز.
- نُفِّذَ التقسيمُ الإقليمي على أرض العروبة، فأصبح واقعاً لا محيد عنه.
- وسقطت الخلافة، وتشكل الاستعمار التقليدي على أديمنا مُمَثَّلاً بثكناته، ومناديبه الذين يمارسون التحريش بين أطياف المجتمع. ولما اضمحل قام مقامه عملاء أغبياء، يفعلون ما يؤمرون.
- وأقيم وطنٌ قومي للصهيونية في الأرض المباركة، فصار مصدر كل شر، ومطبخ كل دسيسة.
- وبدأت مؤامرة الانقلابات العسكرية في ربوعنا، فمزّقتنا شَرَّ ممزق.
- وشُتِّتَ الفكرُ، ونُوِّعت الولاءات، واستشرت الطائفيات في كافة مشاهدنا، فراح كل متعصب يُحِدَّ شفرته، ليضحي بأخيه.
- وحَبا الله أرض العروبة بالأنهار، وعَمَّها بالبحار، وأودع في أعماقها كنوز الطاقة، وثمين المعادن. فاستبقتها القوى الشرقية، والغربية، تخاتل المتمنِّعين، وتسوم المترددين سوء العذاب، وتقعد لهم كل مرصد.
إنها لعب ماكرة، وتآمر قذر، وغزو مكشوف، ينكره الأغبياء، والعملاء، ويقره العقلاء الذين لا يُسْتَأمرون.
- عِشْنا بين [الوعي المفقود]، و[عودة الوعي، والروح]، كما تداولها الصامتون حين أطلقت ألسنتهم، لتصور مآسي العسكر.
لا أحد يملك حق التزكية، والتبرير للواقع المرير. فالهزيمة، والتآمر، والدمار، والنكسات على أشدها.
ولا أحد يتأمل، ويَدَّكر. تمر بنا النكبات، وكأننا متفرجون ثملون في صالة [سينما]، أو على مدرجات ملعب.
الأيدي الملطخة بالدماء، الموصومة بالعمالة. والأبواق المؤذية المأجورة يُبَارِكُ المستبد خطواتِها. ويحْمى ساقتها. ويبَرر أخطاءها، ويَتجاوز عن جرائمها. فيما يُخَوَّن الأمين، ويكذَّب الصادق، ويتهم البريء، ويُشَنَّع على المسالم.
يُعْطِي المحْسنُ، ثم لا يُنْظر إلى عطائه، ولا يكافأ على إحسانه.
ويأخذ الجَشِع، ويُمْسِك الشحيح، ثم يُلتمس لهما العذر. ويُقَدِّمان في المحافل، وتسوى مشاكلهما على حساب القاعدين عن الفتن. وما أحد يتمعّر وجهه من هذا العهر، والتفسخ، والظلم، والجور. ودعك من اختطاف [الإسلام]، و[الدول].
إنه إعلام مأجور، ومنظمات عالمية موجهة، ومتلقٍّ أبله،لا يكاد يبين، ولا يستبين.
واقعنا فاقع اللون، ولكن النظارة {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ}.
المتوقع من الغَرْبِي أن ينظر إلى مصالحه، وأن يكيد لأعدائه. وحين يكْذِب، أو يغالط، أو يسْتَدرج فإنّ ذلك متوقع منه. فهو في حالة حرب مع حضارة عربية إسلامية، سطعت شمسُها عليه، وأمدّته بكل الأبجديات الحضارية.
وحين استلبها أقسم على نفسه ألا يُفيض على مَصْدرها إلا بالحشف، وسوء الكيل. وأن يبقي إنسانها جاهلاً بِفَضْلِ حضارته، وأميًّا [بشفرة] مُسْتَلِبِها. ليكون أبد الدهر مستهلكاً نهماً، يبيع خامات وطنه بأبخس الأثمان، ويشتريها مصنَّعةً بأغلى الأثمان.
لقد امتدت يد [العهر السياسي] إلى مأرز الحضارة الإسلامية «بغداد الرشيد»، فاتحة شهيتها بالاستدراج، ثم بالتدمير، والتشريد، واغتيال الكفاءات العلمية بالمئات، مُصِرَّةً على تغيير التركيبة السكانية، لتكون الأقلية أكثرية حاكمة، تأتمر بأمر [الآيات، والملالي].
وتلك ضربة مفصلية للقومية العربية، وللسنّة الأكثرية. هذا الإنجاز العنصري الطائفي قلب الأوضاع رأساً على عقب.
ولما تزل تلك اليد الملوثة المأجورة تطفح، وتلوب في قصعة وطننا، محققة معجزة [التداعي] لتقضي على رسيس القومية، وبقية الإسلام السنِّي، وتجعل الكلمة للمجوس، وللطائفية بوصفها أقلية طيعة، تبيع مثمناتها، لطمس معالم [التاريخ الإسلامي].
ما نعيشه من أوضاع، وما نشاهده من تقلبات، لا يمكن تبريره، ولا السكوت عليه. ولكننا أمة أدركها الوهن، وتحققت فيها الغثائية، وتداعي الأمم.
اشتغال الكتبة في ظواهر الأحداث، وغفلتهم، أو تغافلهم عما يراد بهم، أو لهم تمكينٌ لـ [الأَجِنْدَةِ] التي صُنعت على عين الدول المستبدة. وتسهيلٌ لنفاذ مفاسدها.
- وهل عربي يعتز بقوميته، وإسلامه يقبل بالأوضاع المزرية في كافة الدول التي دنَّستها قدم الآيات، والملالي؟.
إنّ ما يجري في عالمنا العربي مخطط صهيوني ترعاه مؤسسات، ومنظمات عالمية. وتباركه دول استعمارية.
وكلما احتدمت المشاعر، وبان العوار، والعهر السياسي، خَفَّ المناديب، والممثلون إلى الموائد المستديرة بمباركة من صنّاع اللعب. وكل اجتماع ينفض عن توصيات تُخَدِّر مشاعرَ الاستياء والتذمر.
وكم من قرار قَبِلَ به الجميع، ورضي به المستضعفون، ظل حبراً على ورق. وليس أدل على ذلك من دعم الأمم المتحدة لـ[الحوثيين]، وتناسي قرار [2216].
لقد أشرت في مقال سابق عن سقوط المنظمات، والهيئات العالمية، وفشلها الذريع في إدارة الأزمات.
كل ضحايا التآمر، والغزو يهرعون إليها ظناً منهم أنها تملك الحلول، وتحول دون الظلم، والاستبداد، ولكنهم:- [كالمستجير من الرمضاء بالنار].
وكيف يُتوقع منها العدل، وهي صنيعة غربية، تشبه غرف التخدير، بممارسة التسويف، والتمييع، وفك الاختناق عن اللعب، لا عن الملعوب عليه.
منذ [حملة نابليون] إلى [حملة آل بوش] وأمر الأمة العربية في انحدار، فيما يظل الإعلام، وسائر الكتبة يلتُّون، ويعجنون خارج السياق.
الوثيقة الناصعة الدامغة تتمثل في: [السعودية]، و[إيران].
فـ [السعودية] تدعو للوفاق، والتسامح، وتدعم الدول المنهكة، والمنظمات الفاعلة، وتحارب التطرف والإرهاب. وقَلَّ أن نجد من يشهد بما علم.
و[إيران] تدمر كل شيء أتت عليه. تفرق، ولا تجمع. تأخذ، ولا تعطي. وتمارس التطرف، والإرهاب. وما من أحد يضعها في صورتها الحقيقية.
أليس هذا شاهداً على [العهر السياسي]
لقد دُمِّر الوطن العربي: حِساً، ومعنى. ونشأت أوضاع، وظواهر خطيرة لا يمكن الخلاص منها، ولا العيش الكريم معها:
- اللّاجئون بالملايين.
- الأقليات المستأسدة.
- تدمير البنى التحتية.
- اغتيال الكفاءات العلمية.
- فتح كافة الملفات الساخنة.
- ثقافة العنف، والكراهية.
- تزاحم الهويات.
ولما يزل الحبل على الجرار.