عبده الأسمري
الإنسان هو السر الأول في بناء الثقافة وتتحد في داخله الأدوات لرسم المشهد الثقافي والخارطة الثقافية والإنتاج الأدبي فلو امتلك المثقف كل الأدوات الأخرى فعليه أن يضع الإنسان المادة الخام لصناعة المنتج الثقافي.
لا يمكن أن تنتج الثقافة ويبلور الأدب بعيدا عن «الإنسان» كأساس أول وعمق أصيل لكل اتجاهات الأدب ومسارات الثقافة.. ففي الإنتاج الأدبي يحضر الإنسان كبطل نص أو روح قصة أو بوح رواية أو أفق معنى أو عمق تجربة.
في الأحياء الشعبية ومن بين البسطاء ووسط الفقراء ومن داخل السجون ومن أوساط القرى ومن بين التجارب خرجت آلاف المنتجات الأدبية في مختلف العصور وكان الإنسان فيها بوصلة الأداء واتجاه القيمة الثقافية ومنطلق الإنتاج ونقطة بداية المشوار الأدبي بكل معانيه وصوره وتفاصيله ومحتواه.
لم يكن الإنسان مجرد تعبير أو توصيف لتجربة أو قصة بل كان وجهة للخيال والواقع معا وظل جهة واحدة تستثير مكامن الأدب وتجذب منطلقات المهارة الثقافية فشكل الإنسان بتجربته في مستوى فردي أو جماعة حضورا أول واستحضار أكمل في نبع الثقافة.
عندما تحضر الأماكن وحدها في المحتوى الأدبي يظل يتيما ما لم يؤنس وحشة هذا المنتج تعابير إنسانية من خلال تجارب بشرية مفردة أو مجتمعة أو من خلال ملامح «الناس» في خضم الحياة أو معترك التجربة لتشكيل روح أدبية فارهة تحول المنتج إلى صياغة يتشربها العقل والقلب معا وتستهوي الذائقة الارتباطية بين القارئ والناقد والمتابع ما بين كيانه الإنساني وتجارب بني جنسه في اعتمادات واقعية أو تعامدات خيالية تجعل المنتج يعمق الأصالة النفسية والتأصيل البشري في التذوق وفي فهم المنتج والاستفادة منه وأيضا من خلال تشرب معانيه ومعرفة فصولة.
عندما برز أدب شعراء المهجر وخرج إلى الساحة الأدبية العربية عمالقة مثل محمود درويش ونزار قباني ونجيب محفوظ وطه حسين وجبران خليل جبران ومحمد الفيتوري وعبدالرحمن الأبنودي وفاروق جويدة وأمل دنقل وطاهر زمخشري وعبدالله البردوني وفائق عبدالجليل والطيب صالح وأحلام مستغانمي وغادة السمان وغيرهم كان الإنسان بكل تشكيلاته حاضرا في إنتاجهم.. ظلت الوجوه والمعاناة والتجارب وارتباط البشر بالأماكن سر نجاحهم وكانت التوليفة الإنسانية بكل اتجاهاتها وآلامها وأمنياتها حاضرة ناضرة في كتاباتهم وإبداعاتهم.. شكل الإنسان لهم نقطة بداية ومعلم نهاية للعديد من نماذج الأدب ..حضرت الإنسانية في تفاصيل الكتب وظلت حتى يومنا هذا منهجا أدبيا راقيا ومنتجا ثقافيا متنوعا يرتبط فيه الإنسان بتجارب الآخرين ويستلهم فيه الباحثون عن المعرفة روح البشر وقضاياهم وعمقهم الإنساني والنفسي والاجتماعية. عندما نتحدث عن الثقافة فهي كيان يستمد منه البشر موجبات متعددة من الإدراك والأبعاد الأدبية والاتجاهات الحياتية والمواجهات الاجتماعية في خضم حياة يشترك فيها الناس بجملة سمات ومجمل أرواح تبتهج بالإبداع وتحتفل بالإمتاع لذا كان الإنسان وراء وخلف كل إنتاج ..
ما حملته الكتب وستظل هو جملة من الصراعات الحياتية والتجارب المختلفة والتي كانت شاهدا على العصر وظلت وجبة صالحة لكل زمان ومكان للقراءة والتفكير والتحليل والفائدة.. ولا تزال أقلام النقد ومرئيات الدراسة تستلهم الإنسان كنص أساسي وعنوان أول وأخير للإنتاج الأدبي..
عندما نتحدث عن الوجوه وعن كل موجهات الشعور وتوجهات المشاعر وتفاصيل الأنين ومفصلات الحنين والغربة والوداع والألم والمعاناة وحتى مطالب الشعوب نجد أن الإنسان وراء صناعة كل إنتاج بعيدا عن التفاصيل الأخرى المتعلقة بالأدوات التي يمتلكها الأديب أو المثقف والتي تجعله يصنع التفوق من خلال الدافعية والمسببات والمنطلقات التي تتوجه من خلال «الإنسان» ماضيا وحاضرا ومستقبلا.
الإنسان هو العلامة الفارقة ونقطة الانطلاق وانطلاقة الأدب ومفترق النهايات والتقاء البدايات في صناعة المنتج الثقافي وفي صياغة الإنتاج الأدبي لذا كانت الثقافة الأقرب إلى النفس الإنسانية والأمثل في توحيد التفضيل البشري قراءة وبحثا ودراسة وتذوقا.