أمل بنت فهد
حالة الركود تمر بأي إنسان.. فإما أن يقاومها ويحاول كسرها وتغيرها.. أو يظن أنه يمر بفترة تعكرٍ مزاجية وبالتالي يحتاج شيئاً جديداً وممتعاً يقوم به ويمارسه.. ورغم المحاولات إلا أنه لم يستمتع.. ولم يتغير.. لكن وفي لحظة غير متوقعة تنفرج الكربة.. ويعود كما كان أو أفضل مما كان.. حقيقةً لا يهم ماذا حدث.. أو كيف حدث.. ومن السبب.. ومن أين يأتي هذا المد الهائل.. بقدر أهمية أن تعرف ماذا تفعل حين يغمرك الركود.. ولا تشعر بشيء.. ولا تريد عمل أي شيء.. يكفي أن تتركها تمر.. دون أن تفعل شيئاً.. عدا أن تقاسم الهدوء والسكينة يومك وساعاتك.. ليس شرطاً أن تكون مشغولاً بشيء لتشعر أنك حي.. من قال إن يومك لابد أن يكون مزدحماً بالمهام.. والمقابلات.. والأنشطة!
السؤال هنا.. ممن يهرب المشغول أبداً؟ ماذا يخاف الذي لا يطيق الجلوس وحيداً؟ الإنسان حين يكون وحده فإنه يواجه نفسه وجها لوجه.. وإذا لم يتحمل نفسه.. فالسؤال لماذا؟ ما الذي يوتره لدرجة أن يكون يومه مزدحماً بالوجوه.. إلا وجهه؟ أليس لديه أمور يفعلها لنفسه.. حتى ولو كان حديث نفس مطول لا يقاطعه ضجيج البشر!
ومن جهة أخرى.. كيف فعلها من استطاع أن ينسجم مع ذاته.. ويشتاق إليها.. ويبقى معها بقدر بقائه مع الآخرين.. من يأنس لأفكاره.. ويحب خلواته ويعيشها بخشوع وطمأنينة.. يتفقدها ويعرف بعد خلوته ماذا تحتاج.. وماذا تريد.. ويفهم رغباته.. لأن الذات لا تحكي عن رغباتها الأعمق إلا والجو هادئ.. وتصمت في الضجيج والصخب.. لأن الحديث يكون للآخرين.. والحواس كلها مشغولة باكتشاف الخارج.
كم يسأل الإنسان إنسان آخر.. وكم يتحدث معه.. وفي المقابل متى سأل نفسه؟ ومتى تحدث لنفسه؟ ألم نسمع كثيراً أن من يحدث نفسه مجنون؟!
مع أن الإنسان في حديث أبدي مع نفسه.. لكن ليس حديثاً مسموعا.. إنما أفكار وصور ومشاعر تمور في داخله.. والفرق بينه وبين المتصالح مع خلوته.. أنه لا يسمع ماذا تقول نفسه.. وإذا سمع فإنه سرعان ما ينسى.. أما المتصالح مع وحدته.. فإنه يرخي لها السمع.. ولا يستعجلها.. بل يمنحها كل الهدوء.. والأمان.. لتخبره عن سرها.. لذا فإنه حقاً يعرف ماذا يريد.. ويفهم إلى أين يقوده الطريق.. كل شيء واضح أمامه.