د. خيرية السقاف
تجمع الناس الفرحة وإن كانت عند شاطئ تعبث برمله أقدام الصغار..
أو في حديقة حيوان, يتسلى هؤلاء بإطعام القردة تتقافز فوق الأشجار, تتسلق السور بينها وبينهم فتخطف سريعة ما في أيديهم نحو أفواهها الشاسعة كفرحتهم !!..
أو عند بائع جوَّال يقدم كرات السُّكر المحروق في بالونات ملونة, يقف للاستطالة صوبَها أولئك الأبرياء على أطراف أقدامهم..
نعم, تجتمع الناس على ضحكة عند سماع طرفة بريئة, وعند رؤية مشهد ساخر, أو لحظة رغبة في دعابة طارئة..
لا تذهب الناس في تأويل تفاعلها إلا حين تكون صدورها مغمورة بنواياهم!!..
وكذلك في حضرة المطر يفرح الناس كثيراً..
فأهل الصحراء لهم معه قصص وحكايات, أقساها العطش, فالقحط, فموت الروح, فضمور الأثداء, وشهيق الصغار, وجِباه الرجال, وتشقق الكفوف, وبواطن الأقدام..
تماماً كما لهم معه حين يهلُّ بهجة الحضور, وسقيا الماشية, ونبت الأرض, وأمنية المد, ومخاتلة البروق, ووهج سطوح الأعشاب, وموارد الرحيل, والنزول..
وفي كل الأزمان, ومع أيِّ الأجيال, وباختلاف العروق والألوان..
تبقى للمطر قصص المحبة, وألفة الود, ودفء الرُّواء, وشهقة السكينة, وزفير الاطمئنان..
حيث يكون الماء دَفقاً, والندى وجْهاً, والسقيا يُسراً, ونقاءُ المدِّ في بَصر الرؤيةِ اخضراراً, لا كلَحاً, ولا كلَفاً, ربيعاً لا خريفاً تكون فرحة الناس على أشد انضمامها في باقة من اتفاقٍ, وقرباً من نبع..
الناس تتفق دوماً على ما ينفعها, كما إنها تختلف عند تفاصيل غاياتها..
هكذا يعلِّمنا غيم المطر وهو يمر من فوق رؤوسنا, يسيح بأحلامنا, يهيج ذائقتنا, يستدر كوامن خفية فينا للتأمُّل, للراحة, للتنفس, للحنين, للبكاء, للتخيُّل, لسفر الفكرة, وإياب النبضة, لكل ما يعتلج فينا ولا نكاد نعرفه منا إلاّ في حضور المطر,,
الغيمات الحبلى بالمطر, نتطلع إليها, أين ستكون كريمة معنا فتهمي بأجنتها قطرات مترفة, وأين ستمر مروراً عابراً بنا فلا ننال منها غير فرحة الأمل ؟!!........