بين يديَّ سفر جامع عنوانه (أثر السود في الحضارة الإسلامية) للباحث العراقي د. رشيد خيون نشرته مكتبة الملك عبد العزيز العامة عام 1436/2015
الكتاب يكاد يكون أكثر الكتب توسعا في موضوعه، لكون مؤلفه كتبه بعد استقصاء للمصادر والمراجع التي سبقته.
ينقسم الكتاب إلى بابين رئيسين؛ الأول في الرق وأحوال الرقيق، ويشتمل على أربعة فصول. يتناول الفصل الأول تمهيدا في المصادر السابقة، ويتناول الفصل الثاني السود والرق قبل الإسلام، والفصل الثالث الرق والعتق في الإسلام، أما الفصل الرابع فيتناول ثورات السود وتمردهم.
أما الباب الثاني فتراجم لأعلام السود، مقسم إلى ستة فصول: الفصل الأول للعهد النبوي والراشدي، والفصل الثاني للعهد الأموي، والفصل الثالث للعهد العباسي. أما الفصول الثلاثة الأخيرة فهي على التوالي: النساء السوداوات، الشعراء السود، أبناء الحبشيات.
الكتاب الواقع في نحو ستمائة صفحة تستأثر المصادر والمراجع والفهارس العامة بنحو ثلثه الأخير، كما يشتمل على ثلاث مقدمات: تصدير للمكتبة بقلم المشرف العام على المكتبة الأستاذ فيصل بن معمر، وتقديم للأستاذ الدكتور زيد بن عبدالكريم الزيد، ومقدمة المؤلف.
يأتي الكتاب انتصارا للسود الذين عانوا الاضطهاد على مر القرون، ويبدأ الكتاب بتفنيد حكاية شائعة عن نشأة السود، وأنهم ذرية حام بن نوح وأن السواد لحقهم نتيجة دعوة الأب (نوح) على ابنه – لخطأ ارتكبه الابن - بأن يجعل ذريته عبيدا لذرية أخويه.
يبين المؤلف أن المقصود بالسود ليسوا سود البشرة فحسب؛ بل يشمل الأرقاء حتى وإن كانوا من الرقيق الأبيض كعبيد الرومان أسرى الحروب. كما يتناول الكتاب عرضا تاريخيا للرق في العصور المبكرة ويستعرض القوانين التي وضعت لكيفية معاملة الرقيق كتشريعات (حمو رابي) التي تنص على أن السيد حر في عبده ولا يُعاقب إذا أساء لعبده حتى لو قتله. وكذلك تنص القوانين الرومانية واليونانية. ويتناول المؤلف وضع الرق عند اليهود فيقول إن اليهودية أنصفت العبيد، لكنها لم تنصف سوى اليهود العبرانيين، فقد حددت مدة الرق بست سنوات فقط، فضلا عن الفرص الأخرى التي يمكن بموجبها أن يحصل الرقيق على حريته.
وتناول الباحث الرق في صدر الإسلام، وكيف أن الرقيق يصبح واحدا من أبناء المجتمع بمجرد إسلامه، حتى إن عددا من المسلمين السود احتلوا مراكز مهمة في المجتمع الإسلامي، فمنهم من كان سباقا لدخول الإسلام رغم ما عاني من التعذيب بسبب إسلامه، ومنهم أول من رفع الأذان (بلال بن رباح)، ومنهم من أصبحوا مقاتلين شاركوا في الغزوات والفتوحات، بل إن منهم من كان قائدا لجيش فيه كبار الصحابة كأسامة بن زيد. كما تناول المؤلف وصايا الإسلام بهذه الفئة خيرا وتشجيعه على تحريرهم.
لكن في العصور التالية ظهرت الحاجة للعمال من أجل الخدمة في البيوت والمزارع، وبدأ جلب العبيد من الحبشة وغرب إفريقيا يزداد، فقل اندماجهم في المجتمع.
ومع ذلك لمع منهم نجوم في مختلف الفنون والعلوم والآداب، فكان منهم المحدثون والفقهاء والشعراء والكتاب والوزراء. ومن الشعراء من وصل إلى بلاط الخلفاء وأصبحت كلمتهم نافذة؛ تأييدا لقرارات الخلفاء أو تحريضا للانتقام من أعدائهم، كما اختص بهذا اللون سديف بن ميمون الذي حرّض المنصور على إفناء الأمويين.
وهنا نجد بداية ظهور المؤلفات التي تنتصر للسود وتظهر فضائلهم كرسالة الجاحظ المعنونة بـ (فخر السودان على البيضان) ورسالة أبي العباس عبد الله بن محمد الناشئ ثم رسالة المرزبان (تنوير الغبش في فضل السودان والحبش).
وهناك من لم يمنعه سواده من أن يتسنم أعلى المراتب في الهرم الاجتماعي، فهذا إبراهيم بن المهدي يصل إلى الخلافة، ونُصيب الأصغر يوليه الرشيد إحدى كور الشام. وكافور الإخشيدي يصبح الحاكم بأمره في مصر بعد أن ورث العرش من سيده. وهذه دولة آل نجاح الأحباش في القرن الخامس الهجري تقوم في زبيد وهم عبيد آل زياد ملوك صنعاء وزبيد.
يتوقف الكتاب عند سنة 656 هـ أي بانتهاء الدولة العباسية لكثرة استيراد العبيد من إفريقيا بعد هذا التاريخ ولكثرة اختلاط الأنساب بينهم وبين غيرهم بالتزاوج متى ما سمح العرف الاجتماعي.
في حديثه عن ثورات السود يقول المؤلف إنها لم تكن ثورات حقيقية؛ بل هي حراك اجتماعي. ويَعُدُّ على مر التاريخ أربع ثورات؛ منها ثلاث في العراق - وفي البصرة تحديدا - وواحدة في المدينة، وأن إحدى الثورات الثلاث في العراق كانت الأخطر إذ استمرت خمسة عشر عاما ترتب عليها انفصال بغداد والبصرة من جسم الخلافة العباسية. أما ثورة المدينة فكانت احتجاجا على شح المؤن وغلاء الأسعار.
يقول المؤلف عن كتابه: «جاء الكتاب شاملا لما قدرنا أن نصل إليهم من أسماء السود وأعلامهم، ونقصد أصحاب الأدوار مهما كبرت أو صغرت». وهذا ما جعلني أسجل ملاحظتي وهي أن كثيرا من الأسماء التي وردت كانت أدوارها ضعيفة مقابل أسماء أكثر شهرة لم يشر لها المؤلف. ففي العهد النبوي عدّ أسامة بن زيد وبلال بن رباح ووحشيا قاتل حمزة وسالما مولى أبي حذيفة لكنه نسي خباب بن الأرت على سبيل المثال.
وفي العصر العباسي عدَّ من الشعراء أبا دلامة و سديف بن ميمون وأبا عطاء السندي لكنه سها عن بشار بن برد، وابن الرومي الذي استشهد بشيء من شعره عرضا..
وقد لاحظت أن الأسماء التي عرض المؤلف لسيرهم كانوا من المشرق الإسلامي ما عدا اثنين فقط من مراكش، فهل كانت الأندلس والمغرب خلوا من الرقيق والسود؟!
وأخيرا: لم أتوقع أن أجد في كتاب يصدر من مؤسسة عريقة كمكتبة الملك عبدالعزيز وضمن سلسلة الأعمال المحكمة ما وجدته من أخطاء لغوية، فضلا عن الأخطاء الطباعية. ففي تقديم أ.د. زيد بن عبدالكريم الزيد (أسودا كان أو أبيضا) ومعلوم أن أسود وأبيض ممنوعان من الصرف. وفي مقدمة المؤلف: وهو نهج نهجه (المؤلفين) القدماء!
في ص 129 «لكنَّ (باحث) آخر».
في ص 142 «لم يجد الغلام بالسوق سوى (كبشا واحدا)».
أما الأخطاء في الأبيات الشعرية فكثيرة إلى درجة تجعل القارئ يتوقف عن القراءة، وبخاصة حين يكون في البيت كلمة ساقطة!
ومن الأمثلة على ذلك وليس الحصر:
في ص 295 ورد بيتان لعبدة بن الطبيب؛ في الثاني منهما:
ذِكرٌ إذا ذكر الكرام يزينكم
ووراثة الحب المقدم (....)
فهنا سقطت كلمة (تنفع) التي هي ختام البيت.
ص 234 ورد بيت ذي النون المصري، وفي شطره الأول خطآن:
(فلني) بعفو منك (أحيَّا) بقربه
الصحيح (فنلني) بعفو منك (أحيا) به من غير شدة على الياء.
وفي ص 362 ورد خطآن في بيتين للعكوك:
إنـي ليقنعنــي (تهَّد) شــكلة
إن حال دون لقاء شكلةَ حائلُ
(ويزدني) كلفا بها هجرانها
ويسرني عنها الحديث الباطل
والصحيح (تعهّد) و(ويزيدني).
- سعد عبدالله الغريبي