الصحافة في العالم المتقدم، سلطة رابعة، وفي عالمنا النامي البسيط، تظل سلطة يختزلها الرقيب وأهوائه ومزاجه .
الرقيب، يظل ضابط إيقاع لكل حراكاتنا الصحفية، سقفه يتغيّر تبعاً لمشاربه ومشاريعه وتطلعاته هذا السقف يتمدد بحرارة طموحاته ونزعاته ونزغاته، وينكمش حد الصلف تبعاً لخروج عن النص من شخص لا يعرف أبسط قواعد اللعبة، أو هفوة صغيرة تضخم لتصبح الشاهد على مهنية رقيب يمرر ما يشاء ويغض الطرف عن ما يشاء .
الرقيب الصحفي التقليدي، شخص أقرب إلى البوليسية في حضوره المهني، يعشق التواري والانزواء خلف الحروف والكلمات، مشرطه حاد ودقيق يستأصل به كل خروج بسيط، عن نص لعبة هو آمرها وناهيها .
في صحافتنا العربية بشكل عام يفرغ لهذه المهام من الرقابة أشخاص يتمتعون بهامش كبير من الفراغات الذهنية والنفسية والفكرية، فراغات لا يملؤها إلا الآخرون بعطاءاتهم ونتاجاتهم الفكرية المختلفة، فرادة هؤلاء إن وجدت، تكمن في اقتناصهم شبهة الخطأ وجعله قضية داخلية تزيد من تأصيلهم الحضوري داخل المنشأة ويجعلهم محط أنظار الصحاب والرفاق كونهم آمرو خط الإنتاج الفكري، الذي بجرة قلم يُصادر إلى الأراشيف كل ما لا يعجب، ليظل هذا المنتج مجرد حبر على ورق شاهداً على نفوذ رقيب حظه من الحضور والمهنية، امنع هذا وأشعر ذاك وأوقفه عند حده .
السعيد من هؤلاء الرقباء من يستند إلى تاريخ تأصيلي يدعمه، ويدعم حضوره التفصيلي كونه (الرقيب) يختزل حضوره، في تفاصيل هامشية يغذيها بهاجس المهنية الزائفة فيحيلها إلى قلق وخروقات وظيفية داخل المكان تحسب على الآخرين سلباً، وتغذي حضوره كونها الإيجابية التي يسعى إليها دائماً.
الرقيب السلطوي في صحافتنا العربية، بالتقادم يصبح أكثر حدة - والتقادم هنا لا يعني بالضرورة الزمن وتجلياته التي تنعكس خبرات ونجاحات - ولكن قد تكون صلاحيات سريعة وكبيرة توضع في يد ناشئ تجعل منه أخطبوطاً في حضوره ومساحة تأثيره .
الصحافة العربية سلطة هامشية في ظل تنفذ رقيبها الداخلي البسيط، خبرةً وحضوراً، وخصوصاً التفصيليون منهم الذين يعشقون المظهر الخارجي للإنتاج ويتصيدون الهفوات ويغضون الطرف عن الحسنات، في المقابل الرقيب التأصيلي الرزين الأريب يظل عملة صعبة، إن حضر أضاف، وإن غاب فقد، وإن أنتج خلد وخلّد، أبهر وأسمع.
- علي المطوع