تقرير - ناصر السهلي:
دخلت «البدائل التعليمية» التي تطبقها وزارة التعليم على (200) ألف طالب وطالبة بالتعليم العام في مناطق ومحافظات الحد الجنوبي عامها الثاني على التوالي، وذلك وسط ظروف استثنائية تعيشها مدارس المنطقة منذ بدء عاصفة الحزم.
وأظهرت مؤشرات الأداء التعليمي والفني استقرارًا على الحالة التعليمية في مناطق ومحافظات الحد الجنوبي (نجران، جازان، صبيا، سراة عبيدة وظهران الجنوب)، كما أظهرت انتظامًا في العمل وجودة في الأداء، وذلك بعد بناء منظومة حلول ومعالجات لما يطرأ مستقبلاً.
وجاءت الحالة التعليمية المستقرة بعد اتخاذ وزارة التعليم عددًا من التدابير والخطوات الإجرائية، على رأسها مشروع (توأمة المدارس)، التي يقصد منها انتقال طلاب مدارس تقع في النطاق الأحمر؛ ليواصلوا تعليمهم في مدارس النطاق الأخضر. ويأتي ذلك وسط إجراءات نقل احترازية وآمنة بشكل يومي لـ 200 ألف طالب وطالبة إلى مدارس (التوأمة) و(الاستضافة) في ظروف مناخية وجغرافية متباينة بهدف توفير تعليم مباشر لهم؛ ليتلقوا خلالها العلوم، والمعارف، والمهارات.. ويطبقوا عمليًّا مع معلميهم دروسًا في التضحية والولاء.
ففي منطقة نجران الواقعة جنوب غرب المملكة على الحدود المتاخمة لليمن بلغ عدد مدارس البنين والبنات (670) مدرسة، سلمت (29) منها للقطاعات العسكرية لاستخدامها مقار إقامة للجنود المرابطين وغرفًا للعمليات. وفي منطقة جازان بلغ عدد مدارس الجنسين (1314) مدرسة، سُلمت (46) منها للقطاعات العسكرية، فيما بلغت أعداد المدارس في محافظة صبيا (1154) مدرسة، يدرس بها نحو (3687) طالبًا وطالبة.
وفي محافظتي سراة عبيدة وظهران الجنوب سُلمت (17) مدرسة من أصل (689)، لا يزال يتلقى فيها أكثر من (6500) طالب وطالبة تعليمهم النظامي.
وتشير التقارير الصادرة عن وزارة التعليم إلى أن مدارس (التوأمة) باتت أكثر نضجًا في عامها الثاني؛ وذلك بعد ارتفاع معدلات ساعات العمل المدرسي، وعدد أيام الدراسة الأسبوعي. فيما أكدت التعليم أن إرادة العمل الجماعي والتطوعي لا تتكامل إلا في أحلك الظروف، ومع اشتداد الأزمة؛ ليمضي العمل المتوازن والدؤوب بالتعليم قُدمًا نحو تحقيق إدارة ناجحة للأزمات.
يأتي ذلك في وقت قدمت فيه وزارة التعليم بدائل أخرى مساندة لمشروعها الرئيس (توأمة المدارس)، كمشروع (الطالب الزائر) الذي يتيح أمام طلاب مدارس النطاق الأحمر قبولاً فوريًّا في أي مدرسة داخل النطاق الأخضر، حسب رغبة ولي أمر الطالب وأسرته، إضافة إلى مشروع (الطالب المنتسب) الذي يمكِّن الطلاب من البقاء في منازلهم وتلقي تعليمهم من خلال البدائل الإلكترونية، ويقتصر حضورهم للمدارس في نهاية الفصل لأداء الاختبارات فقط.
وأفصح تقرير صادر عن مركز الدعم التعليمي والفني لإدارات التعليم في الحد الجنوبي عن التوجهات المستقبلية حال انتهاء الأزمة، منها العمل على إنشاء مراكز دعم تربوي في جميع مكاتب التعليم لتقديم الخدمات التعليمية والتقنية مع تفريغ عدد من المعلمين للعمل به جزئيًّا أو كليًّا.
وكشفت مساعي التعليم عن وضع برامج تعليمية علاجية خاصة بالطلاب المتسربين، وإعداد حقيبة تعليمية خاصة بالمهارات الأساسية السابقة لكل مادة، تنفذ كل مدرسة محتوياتها حسب خطة خاصة لمعالجة الفاقد التعليمي.
وعلى الرغم من تسلُّم القطاعات العسكرية في الحد الجنوبي (92) مدرسة واقعة في النطاق الأحمر؛ وذلك لاستخدامها مقار إقامة، وغرف عمليات عسكرية في الحرب التي تقودها المملكة مع دول التحالف لإعادة الشرعية في اليمن، إلا أن ذلك لم يقف حائلاً دون توجه الطلاب والطالبات في المناطق والمحافظات (الخمس) كل صباح لممارسة يومهم التعليمي في المدارس (التوأمة) و(المتنقلة).
ويؤكد متابعون أن وزارة التعليم نجحت في إدارة ملف الأزمة باقتدار من خلال التكامل مع بقية القطاعات الأخرى في المناطق والمحافظات، واستطاعت تحويل (صفارات) الإنذار التي تصاحب الحروب عادة إلى (أجراس) تقرع في باحات المدارس ذات النطاق الأخضر.
ونتيجة للظروف المناخية والجغرافية في المناطق (الجبلية والصحراوية)، ووعورة الوصول لتلك المدارس في الأيام الآمنة، فضلاً عن أيام الأزمات، فإن أصوات المعلمين والمعلمات ظلت تتهادى على مسامع الطلبة والطالبات في (1000) مدرسة عبر ثلاث فترات تعليمية، أقصاها يمتد حتى التاسعة مساء معلنة قصة نجاح أخرى للتعليم في الحد الجنوبي. هذه الجهود توجت بكلمات سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في كتاب تلقاه أمس الأول وزير التعليم د. أحمد العيسى، هذا نصه:
«إننا إذ نشكر معاليكم ومنسوبي وزارة التعليم على ما بذلتموه من جهود وما حققتموه من نجاحات في تقديم الخدمات التعليمية لطلاب وطالبات مدارس الحد الجنوبي لنسأل الله للجميع التوفيق والسداد».
وزير التعليم ثمن عاليًا شكر وتقدير سمو ولي العهد على ما حققته وزارته من نجاحات في الخدمات التعليمية المقدمة للطلاب والطالبات في الحد الجنوبي، مؤكدًا في الوقت ذاته أن ما قدمته وزارته يأتي امتدادًا لما توليه حكومة خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله ورعاه - من اهتمام بكل ما من شأنه رقي ورفاهية المواطن في مناطق ومحافظات المملكة، والحرص منه - أيده الله - على تسهيل الخدمات المساندة بشكل فاعل.
وقال د. العيسى عبر حسابه الشخصي في تويتر: «هناك جهود استثنائية بُذلت من زملائي وزميلاتي المعلمين والمعلمات وقادة المدارس والقيادات التربوية في إدارات التعليم وفي الوزارة؛ لتوفير البدائل التعليمية المناسبة لأكثر من 200 ألف طالب وطالبة، تقع مدارسهم على نطاق الخط الأحمر». معبرًا عن تقديره للدور الذي قامت به إمارات المناطق واللجان الأمنية من دعم ومساندة لإدارات التعليم في الحد الجنوبي؛ ما أسهم في تذليل كثير من العقبات.
وتطرق العيسى إلى الظروف الاستثنائية التي يعيشها التعليم في الحد الجنوبي على مدى عامين متتاليين، حققت فيهما الوزارة نجاحات مميزة ومثمرة في المجالات التعليمية كافة، معتبرًا تجربة التعليم تلك من قصص النجاح التي تستحق التوثيق في تاريخ التعليم؛ الأمر الذي دفع مركز الدعم التعليمي والفني بإدارات التعليم إلى توثيق التجربة عبر إصدارين بعنوان (قصة نجاح 1) و(قصة نجاح2)، اللذين اشتملا على إحصائيات وبيانات عن أهم الصعوبات التي واجهت العمل التعليمي خلال العامين الماضيين، والجهود التي بُذلت للتغلب عليها، ومن أبرزها البدائل التعليمية والإلكترونية، وتوثيق الدروس المستفادة من تجربة إدارات التعليم بنجران وسراة عبيدة وصبيا وجازان وظهران الجنوب في إدارة الأزمات.
وأظهر التقرير أن وزارة التعليم لم تكتفِ بمجموعة البدائل التعليمية في مدارسها النظامية؛ لذا دفعت بعدد من الحلول الإلكترونية التي تهدف لزيادة التحصيل العلمي، وسد الفاقد التعليمي عبر توفير بيئة تعليمية إلكترونية افتراضية لطلاب وطالبات الحد الجنوبي، تمكِّن المعلمين والطلاب من ممارسة عمليات التعلم والتعليم عن (بُعد) مع إمكانية إطلاع قائدي المدارس على سير الدراسة، ومشاهدة وحضور الدروس؛ ما كان له أثر في تطوير العمل المهني للمعلمين والمعلمات عبر التحاقهم بعدد من الدورات المتخصصة.
إلى ذلك أكد مدير مركز المبادرات النوعية مدير الدعم التعليمي والفني لإدارات التعليم في الحد الجنوبي د. أحمد بن عبدالله قران أن المحرك الأساس في تقديم التعليم للمتعلمين كافة في الحد الجنوبي كان إرادة التغيير، والعمل الجماعي. وأضاف بأن حسن التعامل والتكامل بين منظومة المقدمين للتعليم والداعمين في نجاح العمل التعليمي في الحد الجنوبي أسهم في تقديم تعليم نوعي متميز في مدارس الحد الجنوبي، وساعد ذلك على التحصيل العلمي للطلاب، وضبط الفاقد التعليمي بتعاون إدارات التعليم، وهو ما تجلى في أصعب المناطق الجغرافية الحدودية المتاخمة.
وقال: نظرًا إلى الجهود التي تقوم بها الوزارة وإدارات التعليم، ولما يمثله الحس الوطني لدى المؤسسات والشركات وبقية القطاعات الأخرى، شرعت الوزارة في تقديم عدد من المبادرات النوعية للطلاب والطالبات في مدارس الحد الجنوبي، كمبادرة دراسة الفاقد التعليمي الذي يهدف إلى تشكيل فرق عمل متجانسة لتحليل الفاقد التعليمي في كل منطقة، ودراسة نتائج الطلاب ومستوياتهم التحصيلية، وإعداد المقارنات اللازمة على مستوى المنطقة (مدارس توأمة وغير توأمة)، وعلى مستوى المناطق الأخرى، إضافة إلى التعرف على الطلاب المتسربين من النظام التعليمي، ورصد أسباب تسربهم ومعالجة أوضاعهم، ووضع الحلول العملية التي تسهم في تقليص الفاقد التعليمي في كل منطقة ومحافظة.
واختتم قران حديثه منوهًا بجهود الشركاء وفرق العمل الميدانية في الوزارة وإدارات التعليم في إصدار التعليم في الحد الجنوبي «قصة نجاح 2» المهدى لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، مشيرًا إلى أن الإصدار قدم وصفًا عامًّا حول الأزمة الراهنة التي تعيشها مناطق ومحافظات الحد الجنوبي، والطبيعة الجغرافية للعمل التعليمي الذي تم تقديمه خلال عامين، ودعم إدارات التعليم للمجهود الحربي والعسكري في المنطقة.