خالد بن حمد المالك
على مدى عقود مضت كنَّا وكان الوطن رهينة خطاب تقليدي، دينياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، وكانت ثقافتنا مصدرها التلقين في المدرسة والجامعة، مما ولَّد شعوراً لدى المواطنين بأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان، بينما تتطور الدول الأخرى صناعياً واقتصادياً وتعليمياً، دون أن يترك ذلك أثراً في محاكاتها لإيجاد تغيير حقيقي مؤثر في بلاد تمتلك خاصية اقتصادية بحكم موقعها وثرواتها النفطية، ومن كونها مهيأة لتجاري غيرها من الدول لو أحسنَّا مواجهة المعوقات والتحديات دون الاستسلام لأفكار وتوجهات واقتناعات لدى نفر قليل منا.
* *
قالوا إن لبلادنا خصوصيتها، وهي كذلك، ولكن ليس وفق مفاهيمهم، مما عطَّل الكثير من برامج التنمية والتطور، وجعلنا لا نستثمر مقومات التطور المنشود، فذهب المال، وعُطّلت الطاقات البشرية المؤهلة، وأصبحت البلاد غير مهيأة بوضعها ذاك لمواجهة انخفاض أسعار النفط، فضلاً عن انتهاء صلاحيته في الاستخدام، وبالتال فقد شل ذلك أي تفكير لدينا عن خيارات أخرى تكون بديلاً للنفط إذا ما واجه نضوباً أو انخفاضاً حاداً في أسعاره، بعد سنوات من الهدر المالي لعوائده في إنفاق كثير منه في مصروفات غير مبررة.
* *
جاء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بصلاحيات واسعة، مدعوماً من الملك سلمان، فوضع حداً لكل مظاهر الفساد المالي والاقتصادي، وحرر البلاد من كثير من المعوقات التي كانت باسم الدين أو التقاليد تقيد حركة المضي في تطوير البلاد، وتعطيل القوى البشرية، وحرمانها من أبسط حقوقها التي تساعد على دخولها معترك الحياة بهمة وحيوية ونشاط، فكان أن صدرت أوامر خادم الحرمين الشريفين واحداً بعد الآخر في معالجة الأوضاع وفقاً لرؤية 2030 ومخرجاتها من برامج التحول الوطني.
* *
خرج محمد بن سلمان في كل لقاءاته وحواراته عن التقليدية في الخطاب السعودي، وصارح المواطنين بما يتم أو سيتم إنجازه، بما لم يعتد عليه المواطنون، فأصبح كل مواطن على علم بما يجري، بالتفاصيل والإيضاحات والأرقام والإحصائيات، مما جعل صوت الأمير مسموعاً، وآراءه منتظرة، وشعبيته بازدياد، وتوقعاته الآجلة أكثر مما أعلن عنها، وأن الإعلان عما لم يتم بعد لن تطول فترته، ولن يكون إلا ضمن سلسلة من الإصلاحات الكبيرة المنتظرة.
* *
وكان طبيعياً أن يبدأ الأمير الشاب في تحسين البيئة والمناخ والأجواء التي تسيدت سياسة المملكة على مدى سنوات طويلة فعطلت أي إصلاحات ضرورية، فبدون معالجة البيئة الدينية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية أولاً، لن يكون هناك فرصة لنجاح أي عمل مؤثر يقوده ولي العهد في عهد الملك سلمان، وستظل المعوقات هي هي والتحديات بمثابة مصدات لا تسمح بتجاوزها.
* *
عمل ولي العهد منذ البداية على تبني حقوق المرأة، باعتبارها تشكل نصف سكان المملكة، ونصف الكوادر المؤهلة تعليمياً بين المواطنين، فسُمح لها - ضمن أمور كثيرة - بأن تقود سيارتها، وأن تشاهد المباريات الرياضية في الملاعب الرياضية، واختارها مستشارة وفي مراكز قيادية بالمملكة، وحررها من تكرار «مكانك تحمدي» حيث كان ذلك يحرمها من فرص كثيرة، واختفت إلى الأبد الأصوات النشاز التي كانت تحاول أن تضع نفسها وصية على قرارات ولي الأمر، بمعارضتها لأي تغيير أو إصلاح يصب في مصلحة الوطن والمواطن.
* *
وكان الأكثر أهمية، والذي عجزت كل العهود السابقة عن مواجهته والقضاء عليه، مسألة الفساد الذي نخر في جسم الاقتصاد، وخرب ذمم الناس، وأكلت فئة قليلة من المواطنين ما ليس لهم به حق من أموال الدولة ومن الرشاوى، فكان أمر خادم الحرمين الشريفين بإلقاء القبض على من اتهموا بالفساد حالياً وعن فترات سابقة لعهود سابقة، شمل ذلك بعض الأمراء والوزراء ورجال الأعمال وغيرهم، وهو عمل سوف يحسن من تنفيذ المشروعات، ويتم إنجازها في مواعيدها وبجودة عالية، ويجعل تكاليفها أقل مما هي عليه الآن، وبالمحصلة فلن يُقدم كائناً من كان في المستقبل على الإخلال بما أؤتمن عليه.
* *
هذا الكلام، بعض ما يمكن أن يقال عن الأمير محمد بن سلمان، وعن الربيع السعودي، بمناسبة حديث سموه للكاتب الأمريكي الشهير توماس فريدمان الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز بتاريخ 23 نوفمبر 2017م، وفيه تحدث بصراحته المعهودة، عن خططه الكثيرة لإعادة مستوى من التسامح لمجتمع كان معتدلاً ذات يوم، وأن المملكة لا تعيد تفسير الإسلام وإنما تعيده إلى أصوله، وكان لابد أن يتحدث عن الفساد، فأشار إلى أن 95 % من المتهمين قبلوا بإعادة الأموال، و1 % تمت تبرئتهم، و4 % طلبوا إحالتهم إلى المحكمة الشرعية، كما تحدث عن الأسباب وراء فشل مكافحة الفساد في السابق، وقال الأمير الطموح بأنه يخشى أن يموت دون أن يحقق كل ما بذهنه لوطنه.. وللحديث صلة.