الأمير الدكتور عبد العزيز بن عياف
لم يكن لأي من المشروعات الإنمائية الكبيرة في الرياض بأن ترى النور إلا بفضل من الله ثم بجهود من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أميرها آنذاك. يحمل- حفظه الله- الرياض في قلبه رياضاً وثابةً ويرومها مدينة تباهي كبريات مدن العالم وظل على دأبه يتابع تطور مدينته يوماً بعد يوم بقيادته المنفتحة على كل جديد، مؤكداً دائماً بأن رياضنا الفتية، إذ تسير بخطىً واعدة نحو مستقبل مشرق، لن تجد مشقة في المزاوجة بين ماضيها التليد، وتطلعات المستقبل، والقيم التي ترسخت في هذا المجتمع وتكويناته الاجتماعية والثقافية. وكان لهذا الفهم الواضح من جانبه لقضية الجمع بين الأصالة والمعاصرة، أن تَرَسَّخَ الوعي بضرورة بناء ما يعزز القدرة على بلوغ آفاق الحضارة الحديثة في مدينتنا، دون التخلي عن روائع الماضي.
ما ميز هذا التوجه للملك سلمان بن عبدالعزيز، إبان إمارته لمنطقة الرياض، هو استيعابه لتاريخ وتراث المملكة على وجه العموم ومنطقة الرياض على وجه الخصوص، واعتزازه الكبير بما على هذه الأرض من إرث تاريخي، سياسي، اجتماعي وعمراني اقترن ببعد نظره،- حفظه الله-، التنموي والمتمثل بعدم انبهاره ولا قناعته بما كان سائداً من توجهات معمارية آنذاك تدعو لتبني ونقل حرفي لطرز حديثة غربية أو شرقية لا تمت للبيئة المحلية بصلة، كان يتم نسخها ونقلها من بيئاتها وزرعها وفرضها على البيئات المحلية دون مراعاة أو تعديل أو تطوير أوحتى محاولة تكييف مع تلك البيئات المحلية، فانتشرت المباني الزجاجية في غير بيئتها وبدون حاجة، وأصبحت شوارع وأحياء المدن ساحات عرض متنوع لعمارة كشكولية من دول مختلفة وبيئات مختلفة شكلاً ومضموناً وبعيدة كل البعد عن البيئة المحلية اجتماعياً واقتصادياً وعمرانياً الأمر الذي ساهم في تشويه عمارة المدن وأضاع شخصيتها وكلف القائمين على تلك المشاريع تكاليف عالية لتشغيلها وصيانتها ومحاولة تكييفها عنوة مع البيئة المحلية.
وقف سلمان بن عبدالعزيز إبان إمارته لمنطقة الرياض، وكما هي شخصيته وعادته شامخاً معتزاً بتاريخه وتراثه متلذذاً بقراءته المتفحصة له مستنبطاً الحكمة والدروس من الماضي للاستعانة بها للحاضر والمستقبل. كان من الأكثر معرفة وتشوقاً بالتاريخ السياسي والجغرافي والاجتماعي والعمراني، وكان كذلك من الأكثر تطلعاً ورغبة في التنمية والتطوير والأخذ بالمعطيات الحديثة. لذلك تفرد- يحفظه الله- ومن وقت بعيد بالوقوف ضد التيار المطالب بالنقل الحرفي لعمارة وعمران مجتمعات خارجية دون أخذ الإرث المحلي في الاعتبار. وفرض- حفظه الله- قناعته بضرورة تبني نمطٍ عمراني جديد يستوعب الحداثة ويتطلع للمستقبل ولا يتنكر للأصالة والتراث العمراني المحلي. ولذلك كانت دعوته وحثه ودفعه- حفظه الله-، إلى المزاوجة بين القديم والحديث والتراثي والمعاصر وبأسلوب حافظ على الهوية التراثية المحلية وقدمها في قالب متطور وحديث مثبتاً بأن الأصالة لا تعني التخلي عن المعاصرة. ونتيجة لذلك نشأ وتأسس طراز عمراني جديد يستحق تسميته بالطراز السلماني. وهو طراز يستلهم ويحاكي في بعض مفرداته العمارة التقليدية للرياض وتخطيطها العمراني القديم، مع معرفة بضرورة احتواء المستجدات الحديثة من مواد بناء ومن تقنيات أخرى كثيرة استجدت وستظلُّ تتجدد.
الطراز السلماني،ـ طراز معماري وعمراني متميِّز يمكن رصد بدء تشكله برصد الجهود والتوجهات الشخصية من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز. ومن مميزات هذا الطراز حيويته ومرونته وعدم ثباته بعناصر ومفردات محددة. ومن ميزاته أيضاً أنه لا يتضمن النسخ الحرفي لمفردات عمرانية قديمة وفرضها على مشاريع جديدة. بل يترك الحرية للمعماري والمخطط بالانطلاق لمفردات وعناصر جديدة ومبتكرة تستلهم وتحاكي الماضي بقوالب تطويرية متجددة.
هذا المقال هو الأول في الإشارة لمثل هذه التسمية. ورغم وجود دلائل ومشاريع متعددة كثيرة يبرز فيها الطراز الخاص لعمارة وعمران الرياض إلا أن التعبير «بالطراز السلماني» لم يستخدم. واستمرت الإشارة إلى ذلك الطراز بمسميات مختلفة يراها البعض طرازا قديما والآخرون حديثاً، وكلاهما لامس الحقيقة غير الكاملة. والحقيقة هي في نشوء هذا الطراز الجديد الذي يجمع بين الاثنين وبتبنٍّ شخصي من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض آنذاك.
والرياض مثلها مثل بقية مدن المملكة ومدن كثيرة حول العالم فقد كادت في غمرة انشغالها بالتنمية الشاملة والسريعة واجتياح الطرز المعمارية الحديثة كل مكان أن تفقد دون أن تدرك بعضاً مما تحظى به المدينة من مواقع ومبان تاريخية وتراثية. وقد كانت المحافظة عليها تحدٍّيا بحد ذاتها زاد عليه من التحديات ماتم من تطويرها وتأهيلها فيما بعد مما يحسب لخادم الحرمين محافظته ودعمه وجهوده في منطقة الرِّياض لأكثر من نصف قرن، وفي الدفع باتجاه المحافظة على الآثار التاريخية والتراث العمراني لمنطقة الرياض. لقد قدَّم للمدينة وسكانها على وجه العموم، وللرياض وعمرانها على وجه الخصوص كلَّ دعمٍ واهتمامٍ وتوجيه وبما حافظ على أصالتها.
ولمن قد لا يعرف، فإن للملك سلمان لمسات وأفعالا شخصية في مخالفة تياركان ينادي بنسيان العمران التقليدي وأن يتم بناء هذه المشاريع على طرز غربية حديثة.وقد كان له -يحفظه الله- إضافة لذلك اليد الطولى في تحديد كثير من مواقع بعض المشاريع وفي الإصرار على بعض مفردات التصميم كما حصل في إصراره على بناء جامع الإمام تركي بن عبدالله في نفس مكان الجامع وليس كما تم اقتراحه من بعض المكاتب الاستشارية في موقع آخر. وكذلك إصراره على المحافظة بالربط بجسر بين جامع الإمام تركي بن عبدالله وقصر الحكم كما كان الجسر في المبنى القديم. وكذلك إصراره على المحافظة على نخل سلام وسط الرياض وهو من أقدم نخيل الرياض والذي قد كان سيتم إزالته لبناء مجمع إداري تعليمي في موقعه والأمثلة في ذلك كثيرة ومتنوعة. كذلك المحافظة على وادي حنيفة وإعادة تأهيله، ومثله في إعادة أحياء وادي السلي ومن ثم إعادة تأهيله وتطويره.
يطول الحديث عن الدور القيادي واليد الطولى للملك سلمان في الدفع بمشاريع الرياض التنموية والمحافظة على أماكنها ومواقعها التاريخية وتطوير ما بقي منها واستلهام ما غاب منها في مشاريع جديدة. ولا يتسع المجال لذكر وتغطية مثل هذه الجهود الكبيرة والعظيمة والتي تقع تحت مظلة هذا الطراز السلماني فلكل موقع قصة ولكل مشروع حكاية جميعها تتجلى بحكمة ورؤية الملك سلمان الثاقبة، ولكن لعل الأمر يتيسر في مناقشتها في كتاب مستقل يتتبع البدايات التاريخية لمثل هذا التوجه ويعنى بالطراز السلماني ورصد عناصره ومفرداته في مشاريع العاصمة.
وتكفي الإشارة هنا إلى بعض من المشاريع العديدة التي تم تصميمها من مكاتب استشارية من أنحاء عالمية مختلفة خرج كل منها بتصاميم متنوعة ولكن كلها تحت مظلة الطراز السلماني المستلهم للتراث بثوب جديد وإمكانيات عالية في استيعاب التقنية. ولعلَّ من أبرز هذه المشروعات مشروعات تطوير منطقة قصر الحكم وحي السَّفارات ومركز الملك عبدالعزيز التاريخي ومبنى وزارة الخارجية ومبنى أمانة منطقة الرياض ( لم يتم البدء بتنفيذه ).
ولا يمكن أن ننهي هذه المقالة دون أن نذكر قصر العوجا كرمز عمراني اسماً وموقعاً وتصميماً، فاختيار خادم الحرمين الشريفين قصر العوجا في الدرعية وبناؤه الطيني التقليدي والمدعم بكل جوانب التقنية الضرورية، هو إشارة لقناعة تامة بتوجه عمراني ومعماري واضح يعكس ما يمتلكه خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- من معرفة ومحبة وقناعة بثراء التراث المعماري والعمراني المحلي، وقناعته أيضاً الكبيرة باستدامة هذا التراث العمراني وإمكانية استلهامه وتطويره في مشاريع جديدة وحديثة تساهم في تفرد وتميز العمران وبما يحق لنا أن نفخر به كطراز سلماني لعمارة وعمران الرياض.
- المشروع الفائز بمسابقة مبنى أمانة منطقة الرياض في وسط الرياض شمال منتزه سلام - لم يتم البدء في التنفيذ
**
- خادم الحرمين الشريفين مستضيفاً أخاه أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح في قصر العوجا
**
- خادم الحرمين - عندما كان أميراً للرياض- يشرح للرئيس الفرنسي آنذاك عن التراث السعودي عند استضافته له في قصر المربع
**
- مبنى قصر طويق في حي السفارات بالرياض
**
- مبنى وزارة الخارجية في الناصرية في الرياض
**
- منطقة قصر الحكم في وسط الرياض