د.فوزية أبو خالد
قرأت أكثر من مقال لتوماس فريدمان عن الشأن السعودي والعهد الجديد بما فيها اللقاء الأخير مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بما كتبه على هامشها من تعليقات وبما صاغه من انطباعات وآراء عن اللقاء وعن زيارته للرياض التي سارع إليها كما يقول ليكون في قلب الحدث السياسي, خاصة بعد توقيفات فندق الرتزكارلتون التي عبرت حسب القيادة عن حملة منظمة على الفساد المالي لا حصانة فيها لوزير أو أمير لقطع دابر الفساد. وهذه الزيارة وإن لم تكن زيارة فريدمان الأولى للمملكة ولا لقاؤه الأول بقيادتها, فقد سبق وزار المملكة ومنها زيارته للقاء الملك عبدالله بما أثاره من ضجة إعلامية حول مبادرة المملكة للسلام إبان العقد الأول من الألفية الميلادية الثالثة, فإن اللقاء بولي العهد في هذه المرحلة، حيث التحولات السعودية الداخلية ومن تحديات الحروب الحدودية والبعيدة في خضم الوضع العربي والإقليمي المعقد قد اكتسب بالنسبة لصحيفة أمريكية كالنيويورك تايمز أهمية صحفية خاصة, حيث عملت على طرح أسئلة مباشرة في العلن لم تكن متاحة إلا في الكواليس أو الصدور بالنسبة للصحافة السعودية والصحافة العربية على حد سواء. بما يجعل هذه الصحيفة تحافظ على الدور التاريخي للصحافة الغربية كمصدر معتمد للاطلاع على مجريات الحدث والفعل السياسي في كل شبر من العالم الذي يهم المصالح الأمريكية فما بالك ببلد في أهمية المملكة العربية السعودية الإستراتيجية كبلد نفطي وكبلد يعوّل عليه بقوة في محاربة الإرهاب العالمي.
غير أن الملاحظ أن ما كتبه فريدمان في متابعته للمقابلة يشبه ما كتبه ويكتبه الكثير من الكتاب السعوديين والعرب، حيث لا يعدو ما يكتب أن يكون تعليقاً على ما يقال أو تعليقاً على الحدث أو تعليقاً على قرار دون الدخول, بل دون الاقتراب من أي قراءة تحليلية أو حتى تساؤلية, حيث ينصب الاهتمام على تعليق يكتفي بتقديم آراء انطباعية تقييمية. وهذه الحالة المستعصية المتجددة إذا كانت في الحالة السعودية والعربية تعبير عن ارتباك في مناخ التعبير وليس بالضرورة تعبيراً عن ضعف في قدرات القراءة وفك شفرات الواقع بمبضع أو مفاتيح التحليل, فإنها في حالة فريدمان أي حالة التعليق على لقاء هام مثل لقاء النيويورك تايمز بولي العهد لا تخلو من بصمات الاستشراق. فسواء أرادت مثل هذه الكتابات الاستشراقية المدح أو الذم, فإنها لا تتورع عن تقديمه في ثقة عمياء بحق الغرب في إبداء آراء أبوية تقويمية فيما يجري على أرض الغير من منطلق تصوراتها المعرفية والسلطوية ومصالحها في مناطق الغير وليس من منطلق الواقع الميداني والأشواق المشروعة لمجتمعات المنطقة المعنية وشعوبها.
والحقيقة أنه إذا كان اللقاء بولي العهد والآراء التي قام بالتصريح بها سموه, قد شكّلت أهمية للمملكة العربية السعودية على مستوى المجتمع ككل وعلى مستوى الحراك الاجتماعي من الشباب والشابات وعلى مستوى تشكيلات النخب الثقافية ونخب التكنوقراط وأصحاب الرأي والقلم بما لا يقل عمَّا شكلته من أهمية للفضول الأمريكي والعالمي وما شكلته من إضاءة للمشهد السياسي السعودي والعربي, فإن ذلك يضع المواطن أمام مسؤولية تأمل ما جاء في تلك المقابلة, (وقد ترجمت إلى اللغة العربية بعد ساعات من نشر صحيفة النيويورك تايمز لها بالإنجليزية), من آراء غير معهودة في الخطاب الرسمي السعودي (ليس فقط للتأمين عليها, فلا أظن أن ذلك هو ما يتطلبه الموقف ولا ما تتطلبه القيادة), ولكن للقيام بواجب المواطنة في التفاعل الإيجابي مع ما جاء فيها. إن التغيّرات الجذرية تاريخياً في مصائر الأوطان أياً كانت حلميتها وطموحها تأتي من التفكير المشترك بها والعمل المشترك على تحقيق الأحلام والطموح يداً بيد بين القيادة وكافة تشكيلات النسيج الاجتماعي. وهذا بحد ذاته يضع المجتمع السعودي ككل كمؤسسات أهلية ورسمية بشقيها الميداني والمعرفي أمام مطلب القيام بمسؤوليتها الاجتماعية أخلاقياً ووطنياً إزاء هذا الزخم التغييري الذي يقوده الأمير محمد. كما يضع كافة أطياف نخب الثقافة والإعلام أمام أمانة الكلمة. ووضع أصحاب الرأي والفكر أمام مسؤوليتهم الوطنية في كتابات تحليلية شفيفة تقرأ الواقع ولا تكتفي بالتعليق الفضفاض على مجرى الحدث أو مجرى القرارات القيادية المؤثِّرة.