«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
قيادتنا الحكيمة قد تتجاوز عن بعض الأخطاء وحتى السلبيات التي قد تنتج نتيجة لخطأ غير مقصود أو إهمال غير متعمد لكنها لاتغفر أبداً أي خطأ قد يتحول إلى كارثة تؤدي لاسمح الله إلى الإضرار بحياة المواطن والمقيم أو حتى الممتلكات والإنجازات ومكتسبات الدولة. لكن أن يتحول الإهمال والتقصير إلى أخطار تهدد حياة الناس في مدننا فهذا شيء لا يمكن السكوت عنه أو عدم محاسبة من كان وراء ذلك.
وخلال الأيام الماضية عاشت جدة «عروس البحر الأحمر» غارقة في مياه الأمطار وباتت عروسا حقيقية لكنها ليست في البحر كما كانت تسمى إنما «عروسا للأمطار» ومع عمليات التطوير والتنمية التي بدأت منذ تنفيذ خطط وبرامج التنمية قبل عقود حظيت جدة بميزانيات عظيمة وإمكانات ربما لم تتح لغيرها من المحافظات. ولسنا هنا في رصد المليارات التي صرفت على البنية التحتية في جدة وضواحيها فهي معروفة لدى كافة المسؤولين فيها الذين تركوا العمل من خلال التقاعد أو الذين مازالوا على رأس العمل. ومع هذا لا أحد تحمل ما حدث في «كارثة جدة» قبل سنوات قريبة، ولا يمكن تحمل ما حدث قبل أيام.
وكل من شاهد المشاهد الصادقة والحقيقية عن واقع مؤلم ومعاش عاشه الناس كل الناس في جدة حتى أن المئات من سكانها والذين تضررت بيوتهم وصار من الصعب الوصول اليها عبر الطرق التي تحولت إلى «طرق فينيسية» غادروها إلى أماكن ومدن أخرى.
وهم يتحسرون ويتحسبون على ما حدث في بنية محافظتهم التي لم تقصر فيها الدولة. ولكن الفساد وعدم التخطيط السليم الذي يستقرىء المستقبل، وما قد يحدث فيها - لاسمح الله- من أحداث نتيجة لهطول الامطار الغزيرة.
بعض من يقرأ هذه «الإطلالة» ربما شاهد وعاش كيف مدن لدول فقيرة ومتوسطة الحال يتواصل فيها المطر لعدة أيام ولاتجدها تعيش في بحيرات وطرق ثرية بمياه الأمطار. والعجيب بل المدهش أن مجموعة كبيرة من المهندسين في امانة جدة على قدر كبير من العلم والمعرفة، بل بعضهم حصل على شهادته العليا من جامعات خارجية وعاش فترة دراسته في مدن ممطرة تقريبا طوال العام. وكان من المفروض عليهم ان يعوا وعيا كبيرا بكل ما قد يحدث في حالة الأمطار الغزيرة.. ولكن يبدو أن ثقة البعض من المشرفين على مشاريع البنية التحتية خصوصا المياه والصرف الصحي جعلهم لايتابعون ما تنفذه الشركات والمؤسسات والمقاولات التي تكلف بتنفيذها والتي بعضها وبعد توقيع أصحابها العقود يقومون بإحالتها لمؤسسات من الباطن «نصف كم» كما يقولون، وهذه يعمل فيها من لا ينتمي للوطن لا جنسية وليس لديه روح الانتماء والإخلاص في العمل والاهم مخافة الله والامانة، لذلك تنفذ المشاريع «بسبهللة» والإكراميات لمن يتابعهم ويراقبهم بل تمضي شهور والعمل جارٍ. بدون تنفيذ صرف ولا مجاري.
ما هي إلا فتحة هنا وفتحة هناك (وكفى الله المؤمنين القتال) لذلك انتشرت ظاهرة معاشة وفي جدة وغير جدة المشاريع المنفذة بصورة غير نظامية ولا تنطبق عليها المواصفات الموجودة في شروط المناقصات وكم مقاول من الباطن «لهف عشرات الملايين» نظير تنفيذه السيئ لمشاريع نفذ العديد منها من أجل الربح أولا وقبل كل شيء, والعجيب أن هناك من يعمل في مشاريع هامة وتتعلق بحياة المواطن بدون ترخيص، بل وحتى حصل على المشروع ايضا من باطن لباطن.
بل هناك من بدأ في مشروع ما وبعدما حصل على الدفعة الثانية من تكلفة المشروع و»فص ملح وذاب» مثل ذوبان مشاريع جدة «عروس الأمطار».. وماذا بعد في كل الحالات فهناك مشكلة «كارثة» قد حدثت بعد الأمطار وسوف تستمر في الحدوث كل ما هطل المطر الغزير بدون محاسبة فاعلة وتشهير لكل من تسبب في ما نشاهده من واقع مؤسف الذي تعيشه جدة التي هي أيضا «جدة غير».