أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن : لقد وهن عظمي، واشتعل الرأس شيبا، وفقدت كثيرا من متاع الحياة الدنيا إلا ما أمتع السمع والبصر، وعظم حيائي من ربي في صلواتي وخلواتي، ولم يتلاش حيائي من الناس بعد طعني في السنة الثالثة بعد العقد الثامن؛ وكنت قبل ذلك غير مبال.. وأستحيي الآن أن أذكر مبدعات الطرب بأسمائهن، ولكنني أرمز ببعض روائعهن؛ وأنا أعني اليوم صاحبة (... عين الشمس ما تحماشي)؛ وهويتها الدلوعية، وخفيفة الظل، ومعجونة بالفن.. على الرغم من أن دفلجتها كانت بالكلمات الخفيفة، وأحيانا بالطقطوقة.. ولقد تركت أوصافا من هويتها؛ لأنها وثنية.
قال أبو عبدالرحمن : لقيت ربها يوم الثلاثاء الموافق 10-3-1439هـ [28-11-2017ميلاديا]؛ وكان مولدها بالقاهرة عام 1931ميلاديا؛ فكان عمرها يوم وفاتها ستة وثمانين عاما؛ أي في بحر تسعة وثمانين عاما بالتاريخ الهجري؛ وهي شادية بالاسم الفني؛ واسمها الحقيقي المطمور في حياتها (فاطمة بنت أحمد بن كمال شاكر)، وقد تابت وأنابت إلى ربها توبة صادقة تهز الأريحية، وتفرح المؤمن عام 1986ميلاديا؛ أي منذ واحد وثلاثين عاما وعمرها يومها خمسة وثلاثون عاما قبل بلوغ الأشد الذي هو أربعون عاما يشد فيها المئزر؛ فيالها من توبة؟!.
قال أبو عبد الرحمن : اعتزلت الغناء وهي في عنفوان مجدها الفني، وفي عنفوان قواها البدنية والفكرية إشفاقا من يوم الحساب، يوم ترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد؛ وذلك بخلاف يوم وفاتها الذي عانت فيه ألما شديدا بعد غيبوبتها الطويلة من جراء الجلطة التي أصابتها؛ فظلت رهينة مستشفى عسكري بالقاهرة إلى يوم وفاتها؛ فكانت شدة المرض يوم وفاتها بشرى خير؛ فهذه الخاتمة عاناها خيار الخلق؛ فخير البشر عبد الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم كان أشد الناس مرضا يوم وفاته ؛ فإذا أفاق قال بأبي هو وأمي : (إلى الرفيق الأعلى)، والصالحون من الأتباع كالإمام أحمد ابن حنبل رحمه الله تعالى اشتد مرضه يوم وفاته؛ فإذا أفاق قال: (بعد بعد يا عدو الله) يرد على الشيطان الذي يتخبط الناس عند الموت إلا من حفظه الله وحماه من فتنة المحيا والممات.. وعندما فكرت باعتزال الطرب، واستبدلته بالإنابة : كانت تشفق من رؤية السميعة لها بعد أن بدأت التجاعيد تغزو وجهها المليح.
قال أبو عبد الرحمن : هكذا رأيت ملامح وجهها، ولم تخل من نور؛ وهكذا رأيت ملامح صاحبه (الطير المسافر) هذه الأيام الأخيرة بعد أن بلغت من العمر عتيا؛ وما ثم إلا نور العافية، ولقد رحمتها رحمة شديدة؛ وإني لأرجو لها إنابة صادقة؛ ولاسيما أن أشياخ المسلمين من الرجال، وعجائزهم من النساء تغزوهم التجاعيد من كل جانب، ولكن يظل نور الإيمان هو المهيمن، وربنا سبحانه وتعالى قال موصيا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (53) سورة الزمر.
ولا يجوز التألي على الله؛ لأنه عظيم الخطر كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى؛ وقد غفر الله لبغي رأت كلبا يلهث من الظمإ؛ فانحدرت إلى البئر، وأحضرت له الماء في حذائها مع شدة الخطر عليها من السقوط من حالق.
قال أبو عبدالرحمن: ومن رحمة الله لهذه الشادية أنها فوجئت بسرطان في الثدي ؛ فاستأصلته في فرنسا، وتفرغت للعبادة، وأدت فريضة الحج، وتبرعت بييتها الذي تسكنه، وجعلته مقرا للجهة التي تطور البحوث لعلاج المصابين بالسرطان في أيّ أعضاء الجسم، واعتزلت فضول الصحفييين، وأبت تلبية المقابلات الصحفية، وألحت في المطالبة بعدم عرض أغانيها، وظلت في تبتلها إلى أنّ لقيت ربها، والله جل جلاله وتقدست أسماؤه إذا أراد بعبده خيرا ابتلاه بالمصائب؛ ليطهره من المعايب، كما أنه سبحانه وتعالى يلجؤه إلى الإنابة والتبتل؛ فالحمد لله شكرا شكرا ، وبقيت لي في السبتية القادمة إفاضة عما سمعته منذ ثلاثة عشر عاما أو أكثر بمكة المكرمة، أو بالمدينة المنورة [نسيت] من إقامتها بين الحرمين الشريفين متبتلة عابدة باكية؛ فكل ذلك حديث خرافة؛ وفي إنابتها في مسقط رأسها بمصر خير كثير من العبادة والبكاء والندم، والزهد في الشهرة، والكسب غير المشروع، والتخلص منه رويدا رويدا؛ فإلى لقاء إن شاء الله تعالى السبت القادم والله المستعان.