د. عبدالحق عزوزي
الكثيرون ممن نعرفهم في مشارق الأرض ومغاربها مسلمين وغيرهم سألوني ويتساءلون عن نوعية عقول إرهابيي سيناء الذين قتلوا في وحشية مدمرة ولاإنسانية أناساً مثلهم، ما ذنبهم إلا أنهم يشهدون أن لا إله إلا الله، ويؤدون صلاة الجمعة في بيت من بيوتات الله، كما يتساءلون عن المصادر الدينية التي يعتمدون عليها للقيام بأعمالهم البشعة. الجواب أن مصدرهم الوحيد والأول والأخير هو الجهل الذي جعل منهم أناسا ليسوا ببشر... فهؤلاء ونظراؤهم يكرهون الحياة نفسها، يمقتون النور والعقل والقلب، يمقتون إنسانية الإنسان وروحه وحقوقه التي منحه إياها الذي خلق فسوى وقدر فهدى. هم وحوش لهم ألسنة وشفاه، لا رحمة في قلوبهم ولا تقوى ورؤوسهم خاوية، غرائزيون ومارقون، لا يعرفون حداً للكراهية والضغينة. لا يحقد هؤلاء على البشر والعصر فقط، هم يحقدون على كل شيء..
أقول دائما دفاعا عن ديننا لكل من يرى هذا الدمار، ويتساءل عن المرجعيات، إن التعاليم وسيرة البشر شيئان مختلفان، والتعاليم الدينية هي التي تحاكم أفعال الناس التي يقومون بها باسم الدين وليس العكس، فالآية الكريمة {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}، هي التي تحاكم ذلك المارق الذي يقوم بأعماله الإرهابية وسط الناس الأبرياء، سواء أكانوا مسلمين أو لا، والآية صريحة لا غبار عليها، ثم إن ذلك الإنسان إذا لم يخضع لسلطان هذه الآية فإن القرآن يحدد عقوبته: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}. فإذا ثبت جرم الإرهابيين، فلا علاقة للإسلام بهم وإنما هم إرهابيون مارقون قتلة.
ولا يختلف اثنان على أن الإرهابيين اليوم يستفيدون من فشل بعض الدول في تسيير الشأن العام وبناء نظام سياسي موحد كما هو الحال في العراق وسوريا وليبيا، ويستفيدون من العولمة التي تجعل الجميع يعيش في قرية واحدة وتحت سقف واحد، حيث إن منصات وسائل الإعلام الاجتماعية مثل «يوتوب» و»فيسبوك» و»تويتر» تقوم بالدعاية لإيديولوجيتهم، والتجنيد الرقمي والميداني للآلاف من الملوثة عقولهم في العالم بأسره بما فيهم صغار السن، والتشهير بجرائمهم الوحشية مثل قطع الرؤوس، والتفاخر بأسواق الرقيق من الفتيات والنساء للتأسيس حسب زعمهم لحياة دينية مثالية في ظل قانون لا يعلى عليه...
أقول لزملائي في الجامعات الغربية عندما يدرسون لطلبتهم مواد الحريات العامة وحقوق الإنسان، أن يستحضروا لهم الآية الكريمة سالفة الذكر»من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً». وهو تصور بالغ يملي على كل العقول الحية طبيعة ديننا وسماحة شريعتنا وقدسية روح الإنسان عند الله... فالقتل في هذا النص ليس عدواناً على الفرد فقط، ولا عدواناً على المجتمع كما تنص القوانين الجزائية أو الجنائية الوضعية، ولكنها شيء أكبر وأفدح: إنها عند الله سبحانه عدوان على الناس جميعاً، على الجنس البشري بأسره.
وقد نقرأ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة ولن تجد نصا مثل هذا النص الذي يتحدث عن «النفس الإنسانية» وعن «الناس» دون تفرقة بين لون وجنس وملة، «لأنه لا فرق عنده بين نفس ونفس»، كما يقول ابن كثير، فضلاً عن أن الآية «تعلمنا ما يجب من وحدة البشر، وحرص كل منهم على حياة الجميع، واتقائه ضرر كل فرد، لأن انتهاك حرمة الفرد، انتهاك لحرمة الجميع. والقيام بحق الفرد من حيث إنه عضو من النوع، وما قرر له من حقوق المساواة فى الشرع، قيام بحق الجميع».
ما الحل؟ طبعا هؤلاء الإرهابيون لا يجب تركهم أحرارا في المجتمعات، ولكم موازاة مع ذلك، هناك الجانب الفكري والإيديولوجي الذي يجب الاستثمار فيه، والنجاح فيه هو إنقاذ للأجيال المقبلة ولكل البشرية وهو الذي يجب أن يقوم على تجديد للروح وتحديث للعقل، لنبني في مجتمعاتنا وعيا فائقا بالماضي والحاضر والمستقبل بقوانين العلم وأساليب الحياة، بنظام الكون ومنطق التاريخ، وهاته يجب أن تكون مهمة كل السياسات العمومية في بلداننا.