سعود عبدالعزيز الجنيدل
يصادف الـ 18 من شهر ديسمبر القادم اليوم العالمي للاحتفاء باللغة العربية، وتقرر الاحتفال في هذا التاريخ لكونه اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 3190 في ديسمبر عام 1973م بجعل اللغة العربية لغة رسمية لها ولهيئاتها.
ومما لا شك فيه أن اللغة العربية في وقتنا الحاضر تواجه تحديات كثيرة داخلية، وخارجية، من الصعوبة بمكان تجاوز هذه التحديات من دون تكاتف جهات متعددة، على مستوى دول العالم العربي.
سنلقي الضوء على أبرز هذه التحديات بما يسمح به حجم المقال.
التحديات الداخلية، والمتمثلة بالعرب أنفسهم، إذ يرى فريق هجر اللغة العربية واستبدالها باللهجات العامية، أو الاعتماد على اللغات الأجنبية، وهذه النتيجة أمر واقعي بسبب الأزمات الحضارية التي تعيشها الأمة العربية، والضعف، والتأخر عن ركب الدول المتقدمة، وكوننا عالة على الغرب في الصناعات، والاختراعات، والعلم بشكل عام.
وأصحاب هذه التوجه مخطئون لحد كبير، لأن تطور الأمة العربية لا يعني بحال من الأحوال الانسلاخ من اللغة العربية، وكأنها لغة عاجزة عن مواكبة العصر، ونذكر في هذا السياق أبيات حافظ إبراهيم - رحمه الله -:
رَجَعْتُ لنفسي فاتَّهَمْتُ حَصَاتي...
وناديتُ قَوْمي فاحْتَسَبْتُ حَيَاتي
رَمَوْني بعُقْمٍ في الشَّبَابِ وليتني...
عَقُمْتُ فلم أَجْزَعْ لقَوْلِ عُدَاتي
وَلَدْتُ ولمّا لم أَجِدْ لعَرَائسي...
رِجَالاً وَأَكْفَاءً وَأَدْتُ بَنَاتي
وَسِعْتُ كِتَابَ الله لَفْظَاً وغَايَةً...
وَمَا ضِقْتُ عَنْ آيٍ بهِ وَعِظِاتِ
فكيفَ أَضِيقُ اليومَ عَنْ وَصْفِ...
آلَةٍ وتنسيقِ أَسْمَاءٍ لمُخْتَرَعَاتِ
أنا البحرُ في أحشائِهِ الدرُّ كَامِنٌ...
فَهَلْ سَأَلُوا الغَوَّاصَ عَنْ صَدَفَاتي
فيا وَيْحَكُمْ أَبْلَى وَتَبْلَى مَحَاسِني...
وَمِنْكُم وَإِنْ عَزَّ الدَّوَاءُ أُسَاتي
فلا تَكِلُوني للزَّمَانِ فإنَّني...
أَخَافُ عَلَيْكُمْ أنْ تَحِينَ وَفَاتي
فاللغة وسيلة للبيان، ولا يمكن أن نحملها فوق طاقتها، وكأنها شماعة لحالة الضعف والتراجع الحضاري، والتخلف الذي تعيشه الأمة العربية، فهناك أمم كثيرة تطورت مع حفاظها على لغاتها القومية، مثل الصين، واليابان، وروسيا، وسائر الدول الأوروبية.
ومن التحديات الداخلية للغة حاجة سوق العمل لها، فهل يا ترى الفرص عديدة لخريجي اللغة العربية، وهل إتقان الشخص ومعرفته للغة العربية ضمانة كافية للحصول على عمل بحوافز جيدة؟
بطبيعة الحال الواقع يخبرنا أن الفرص أمام خريجي اللغة العربية قليلة، فكثير من الشركات والقطاعات الخاصة، وحتى الحكومية، تطلب مهارات وتخصصات أخرى، كعلوم الحاسب، وتقنية المعلومات، واتقان اللغة الإنجليزية.. الخ، وهذا الواقع يحتم على الدول العربية مواجهته، بدءًا من الحكومات، وصولاً للوزارات والجامعات، حتى يتسنى لأبناء اللغة العربية تعلم هذه اللغة مع اطمئنانهم على مستقبلهم، فلا يتصور أن يقدم شخص على كلية، وهو يعرف يقينًا أن سوق العمل لا يحتاج لتخصصها.
التحديات الخارجية
وتكمن هذه التحديات في مزاحمة اللغات الأخرى لها، والغزو الفكري الذي يريد القضاء على ثقافات الأمم، إذ أصبح هناك صراع كبير بين اللغات، كل لغة تحاول فرض سيطرتها على سائر الدول، وكما هو واضح أن الصراع بين اللغات يدخل معه أمور أخرى غير اللغة، فمثلاً تفرض لغة ما سطوتها بالقوة، والعلم، والتكنلوجيا.. إلخ، وليست منوطة باللغة ذاتها، بل بمؤازرة عوامل أخرى خارجة عن نطاق اللغة.
ويمكن القول إن التحديات الخارجية يمكن تجاوزها، فلا توجد موانع من حفاظنا على هويتنا، وشخصيتنا القومية، والنفسية، والاجتماعية، وتعلمنا للغات أجنبية حية، فهذه اللغات تطلعنا على ثقافات الآخرين، وعلومهم والنهل منها ما يفيدنا.
لست بصدد تهميش اللغات الأخرى، بل بالعكس تمامًا، فكثيرًا ما طالبت من خلال هذه الزاوية تعلم اللغات الأجنبية، وخصوصًا الإنجليزية، لكونها اللغة العالمية الأولى بناء على تقرير هيئة الأمم المتحدة، ولكوننا نحتاجها في حياتنا اليومية، وهذا لا مناص منه، ولكن المنزلق الخطير هو طمسنا لهويتنا العربية، والانسلاخ عنها، والنظر لها على أنها لغة قاصرة لا تواكب العصر الحديث، فهذا والله ما لا نقبله.
فحري بنا الاعتزاز بلغتنا العربية، والاحتفاء بها في يومها العالي، وتعليم أبنائنا أهمية هذه اللغة، وعلى وزارة التعليم توجيه المدارس والجامعات للمشاركة بالأنشطة المختلفة المتعلقة باللغة العربية، كأن تقام مسابقات شعرية، وخطابية، وقصصية، وكتابة أنواع من المقالات، وغير تلكم الأنشطة اللغوية، التي تغرس في النشء حب هذه اللغة الخالدة لغة القرآن الكريم.