د. محمد عبدالله العوين
لم نجد مشهدا متكشفا صارخا في أي عمل روائي أخلص له كاتبه أو كاتبته روايته قبل «شقة الحرية» ومن بعدها «العصفورية» ثم ثلاثية أطياف الأزقة المهجورة «العدامة - الشميسي - الكراديب» ثم مجموعة القصص القصيرة «نساء عند خط الاستواء» لزينب حفني، وكل هذه الأعمال نحت نحوا جديدا غير معتاد في التماس مع المسكوت عنه في عالم العلاقة بين الرجل والمرأة وصدرت في سنوات متقاربة بدءاً من 1414هـ - 1418هـ وكأن تلك السنوات القليلة التي سبقت عام 1422هـ وهي السنة التي فجع فيها العالم بأحداث 11 سبتمبر 2001م كانت بمثابة التمهيد العفوي لما يحمله العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين من تغيير كبير في ثقافات العالم من حيث المحتوى المختلف كل الاختلاف عن العقود السابقة، ومن حيث أساليب وطرائق التواصل بالشبكة العنكبوتية التي قفزت على السياجات القديمة وأقامت جسور تواصل معرفية بين بني البشر في كل القارات متجاوزة الحدود والقيود التقليدية.
وقد يكون من التجني إطلاق أحكام جاهزة على أي كاتب روائي تحدث بانكشاف عن العلاقة بين الرجل والمرأة دون رؤية نقدية متأملة في سياق بناء عمله الروائي، وستتبين للناقد الموضوعي أسباب وجيهة دفعت الروائي إلى ألا يبتر سياق الأحداث باعتبار أن المشهد المتكشف جزء أصيل لا يمكن فصله عن تصاعد الأحداث أحيانا، وسيتبين أيضا مقدار الفجاجة والرخص والابتذال والقصد المتعمد لإقحام هكذا مشهد في سياق الأحداث كنوع من الترويج والترغيب في انتشار الرواية والحصول بما ملأ الكاتب صفحات روايته به من ابتذال وتكشف ورخص على مكاسب مالية أو دعائية، ومما يؤسف له أن هذا النوع الرخيص من الكتابة الروائية هو الأكثر انتشارا وحضورا وربما فوزا بالجوائز ومنحا لشهادات التفوق والتميز من نقاد ومحكمين؛ وكأن اختراق القيمة الدينية أو الأخلاقية وعدم احترامها خطوة مبكرة وسريعة نحو النجاح والشهرة والتوقيع على المنصات أمام كاميرات القنوات والصحف.
لا شك أن إطلاق الأحكام في هذه المقالة غير المتعمقة في الدرس النقدي مجازفة غير محمودة، وحسبي الإشارة إلى مراحل تصاعد موجة الجرأة المؤسفة وغير المنضبطة بقيم وضرورات النص الأدبي على الحديث عما كان محظورا وغير مستساغ في الرواية السعودية قبل «شقة الحرية».
لم يكن غازي القصيبي روائيا معروفا قبل الشقة، ويبدو أن في داخل كل أديب روائيا نائما قد يستيقظ يوما ما، وهو ما تنبه له أدباء كثيرون ممن لم يعرفوا قبل بكتابة قصصية على الإطلاق؛ ففتح لهم القصيبي الأبواب على مصاريعها، ليس في الدخول إلى عالم الرواية فحسب؛ بل إلى البوح بما تكنه وجداناتهم من رؤى وأفكار وصور ونقد وكشف للموارب والمخفي مما كانت أقلامهم تتردد عن الكتابة فيه، وهو ما صنعه بعد ذلك تركي الحمد بجرأة فاقت جرأة سابقه، ثم ما صنعته زينب حفني في مجموعتها المشار إليها بما يعد تجربة أولى لخروج المرأة عن المألوف مما لم يسبق لكاتبة سعودية طرق علاقة حميمة بين رجل وامرأة في سياق بناء قصصي تحت أية غاية يمكن تسويغها لعرض تفاصيل أو بعض تفاصيل المشهد؛ إلا في إشارات خاطفة قصيرة وبعبارات مجازية بليغة في قصص قصيرة لا روايات طويلة.
تحدث القصيبي في الشقة عن لقاءات بطله «فؤاد الطارف» بعديد من بطلات الشقة فأسهب وفصل في تصوير دقائق الحوار مع طالبة المتعة «ريري» والمثقفة السورية البعثية «سعاد» وطالبة الجامعة الغنية القادمة من إحدى دول الخليج «ليلى» وأخذ سياق التصوير منحى متكشفا بالغا حده الأقصى مع الأولى في الشقة، ومع الثانية بصورة رومانسية من جانبه وإلى الأدلجة من جانبها على كبري قصر النيل، ومع الثالثة في الروف في الدور التاسع بشقتها في الدقي.
وكانت كلمات الروائي في اللحظات التي وجد نفسه محرجا شديد الإحراج أمام ما يود تصويره حائرة قلقة؛ بيد أن شيئا من حياء وقف حائلا دون الإفصاح فوجد في التعبير المجازي حلا في التعبير عما أراده. يتبع